شرح وتخريج حديث لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها
حديث لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها
نص الحديث : عن عائشة رضي الله عنها أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت ، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله ؟ فقالوا : ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله ؟ فكلمه أسامة ، فقال رسول الله ﷺ : (أتشفع في حد من حدود الله ؟ ثم قام فاختطب فقال : أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).
تخريج حديث لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها
حديث لو أن فاطمة بنت محمد سرقت أخرجه “مسلم, كتاب الحدود, باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود” وأخرجه “أحمد في المسند, مسند جابر بن عبدالله رضي الله عنه, برقم ١٤٩٢١” وأخرجه “الحاكم في المستدرك, برقم ٨٢٥٨” وأخرجه “النسائي في الكبرى, ذكر الاختلاف على عبيد الله في حديث نافع, برقم ٦١٧٦” وأخرجه “الطبراني في الأوسط, باب من اسمه محمود, برقم ٨٠٦٠” وأخرجه “البيهقي في السنن الكبير, جُمَّاعُ أبواب ما لا قطع فيه, برقم ١٥٨٥٤”.[↑^]
شرح حديث لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها
جاء الإسلام لحفظ ضروريات الناس المتمثلة في الدين والحياة والعرض والعقل والمال ، ومن أجل ذلك شرع الحدود ؛ فصان الله الدين بالجهاد في سبيل الله، وصان الحياة بتشريع القصاص والديات، قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة, آية:١٧٩]، وصان الأموال بتشريع حد السرقة، قال تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [سورة المائدة, آية:٣٨]، وصان الأعراض بتشريع حد الزنا وحد القذف، وصان العقل بتشريع عقوبة رادعة لشارب الخمر وما من شأنه أن يذهب العقل.
وذلك، لتحقيق سعادة الناس وإصلاح أحوالهم، وللإسلام نظامه الفريد في تطبيق الحدود : فهو ابتداء يسلك كل الطرق لمنع الوقوع في الجريمة ، وحذر من التهاون في إقامة الحدود أو الوقوف أمام تنفيذها ؛ فالتساهل في ذلك يؤدي إلى فساد المجتمع واضطراب نظامه وذهاب أمنه وهلاكه في النهاية ، هذا ما بينه الرسول ﷺ في هذا الحديث ، عندما ارتكبت فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد المخزومية جريمة السرقة ، ورفع أمرها إلى الرسول ﷺ لإقامة الحد عليها ، فطلب أقرباؤها من أسامة بن زيد رضي الله عنه أن يتوسط عند رسول الله لكي لا يقيم عليها الحد ، ظناً منهم أن كونها من أسرة شريفة وقوية في قريش فإن ذلك سيشفع لها فلا يقام عليها الحد ، فغضب من ذلك رسول الله وقام خطيباً ليبين للناس أنه لا تجوز الشفاعة في حدود الله تعالى ، وأن عدم إقامة الحدود على المجرم لأنه شريف في قومه وإقامتها على الضعيف من الناس ، هو السبب في هلاك الأمم السابقة ، وأكد على أن أحكام الإسلام ليس فيها امتياز لأي فرد كائنا من كان.
الناس أمام شرع الله سواء
أعلن الإسلام أحكاماً سياسية واحدة ، وأحكاماً جنائية واحدة ، يخضع لها كل الناس ، دون تمييز على أساس الأصل أو الجاه أو الثروة أو اللون أو الجنس أو القبيلة ، فالناس جميعاً في ميزان الإسلام سواسية أمام الشرع والقضاء.
وفي قول النبي ﷺ : لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ، دليل على عدالة الإسلام في المساواة بين الناس فإذا ارتكب الجريمة أعلى الناس جاهاً أو أكثرهم مالاً أو أعزهم قبيلة فإن الحد ينطبق عليه ، كما ينطبق على أقل الناس حظاً من المال أو الجاه أو المنعة ، والعدالة والمساواة في الإسلام بين الناس أمام الشرع لا حدود لها ، فليس للأقارب حقوق دون الغرباء ، وليس لذوي الجاه والسلطان مميزات لا يحصل عليها عامة الناس ، وبهذا نرى كيف كان للإسلام فضل السبق في إرساء قواعد العدل والمساواة ، وتطبيق المبادئ السامية التي لا يفرق فيها بين إنسان وآخر ، في ضوئها تحل المشكلات التي تعاني منها المجتمعات اليوم والمتمثلة في التمييز والمحاباة.
أضرار التمييز بين الناس في تنفيذ الأحكام
يدل قول النبي ﷺ : ” لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ” في هذا الحديث على التحذير من التمييز بين الناس في تنفيذ الأحكام وإقامة الحدود ، وبين رسول الله أن ذلك سبب رئيس في تصدع المجتمع وهلاك الأمة ، حيث قال: ( أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ) ، ذلك أن تنفيذ القانون وتطبيق الأحكام على بعض الناس ، ومحاباة آخرين لشرفهم ومكانتهم في المجتمع ، ينتج عنه أضرار كثيرة تؤدي في النهاية إلى الهلاك ، ومن تلك الأضرار :
- تفقد السلطة هيبتها وثقة الناس بها ، وبالتالي تفقد سيطرتها فيضطرب النظام وتعم الفوضى حياة الناس.
- انتشار الفساد وزيادة الجرائم حتى يألف الناس المنكرات ويعم الخلل كل شيء في حياتهم.
- يصاب كل الناس بالخوف ؛ إذ لا ينال كل مجرم عقابه ، فلا يأمن الإنسان على نفسه وعرضه وماله.
- ييأس المظلومون أن ينالوا حقوقهم فيتذمرون ويثأر كل إنسان لنفسه خارج القانون ، فيحدث الشقاق والنزاع بين أبناء الأمة.
أثر العمل بالحديث
للعمل بهذا الحديث آثار عظيمة تعود على المجتمع بالخير ، ومن ذلك :
- انتشار الأمن في حياة المجتمع ، فإقامة الحدود هي الوسيلة الرادعة التي في ظلها يأمن الناس ، على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.
- بإقامة الحدود، يرجع المجرمون عن إجرامهم ، حين يعلمون أنهم لو ارتكبوا جرماً ، أو اعتدوا على حق ما ، أقيمت عليهم الحدود ، فينزجر كل باغ ويرجع عن بغيه ، فيكون ذلك سبباً في استقامته ، ونجاته من عذاب الله في الدنيا والآخرة.
- ينعم بالحياة السعيدة والمستقرة أبناء المجتمع ، فكل فرد فيه سيؤدي ما عليه من واجبات ، وهو مطمئن أنه سينال كل ما له من حقوق كغيره من أفراد المجتمع.
- القضاء على كل أشكال المحسوبية والمحاباة ، التي تؤدي إلى تعطيل طاقات أفراد المجتمع ، وعدم تكافؤ الفرص بينهم .