نبذة تاريخية عن بحوث العمليات
نشأت بحوث العمليات خلال الحرب العالمية الثانية، واستخدمت للمرة الأول أثناء الحرب العالمية الثانية في عام 1940م في المملكة المتحدة، حيث عهدت الإدارة العسكرية في بريطانيا إلى فريق من العلماء والباحثين وذوي اختصاصات مختلفة مهمّة دراسة العمليات المرتبطة بالدفاع الجوي والبري ودراسة المشاكل الإستراتيجية والتعرف على أفضل استخدام ممكن للمعدات الحربية.
ويعود الاستخدام الأول لأساليب بحوث العمليات إلى الحرب العالمية الثانية عندما لجأ الأمريكيون والإنجليز إلى الأساليب الكمية في حل المشاكل التي واجهتهم حينئذٍ. وقد تم ذلك عن طريق تكوين فريق من العلماء المتخصصين في الرياضيات، والهندسة، والسلوكيات … الخ، بحيث يقوم الفريق بدراسة المشكلة واقتراح الحلول المناسبة مستخدماً الأسلوب العلمي في ذلك. ومن ضمن القرارات التي نوقشت واتخذت بهذه الطريقة تحديد الأهداف العسكرية، وتوقيت الضربات الجوية، وتحديد أفضل الوسائل وأكثرها أمناً للإنزال العسكري، ونقل المؤن والأفراد. وقد حفز نجا ح استخدام هذه الأساليب خلال الحرب في إتخاذ القرارات العسكرية.
وتوسعت قاعدة استخدامات بحوث العمليات من خلال استعمال المبادئ الأساسية في مختلف نواحي الإدارة غير العسكرية وقد ظهر أول كتاب في بحوث العمليات في العام 1946م باسم “طرق بحوث العمليات” لموريس وكمبال (Morse and Kimblall)، وكان أهم الاكتشافات في هذا الصدد لجورج دانترج (Dantzig) عام 1947م لطريقة السمبلكس لحل مشاكل البرمجة الخطية وتبع ذلك تطورات أدت إلى ظهور کتاب بحوث العمليات عام 1957م.
وقد شهد النصف الثاني من القرن العشرين إلى تطور استخدام بحوث العمليات نتيجة ظهور الحاسب الآلي وتطور نظم المعلومات.
مفهوم بحوث العمليات
يمكن تعريف مصطلح بحوث العمليات [بالإنجليزية: Research operations], بأنه مصطلح يطلق على عملية صنع القرار المبنية على المنهج العلمي مع الاعتماد بصفة رئيسية على أساليب التحليل الكمي في حل المشكلة الإدارية بهدف الوصول إلى البديل الأمثل “Optimum” في حدود الإمكانيات المتاحة وذلك بناء على بيانات تفصيلية ودراسة دقيقة للمخرجات، وتقدير المخاطر لكل البدائل المتاحة.
ومفهوم بحوث العمليات بلغة أخرى: هو علم التمثيل الرياضي لمشاكل عملية إتخاذ القرار وإيجاد طرق حل لهذه النماذج الرياضية.
أما التعريف الذي قدمته جمعية بحوث العمليات الأمريكية فهو: تهتم بحوث العمليات بالاختيار العلمي لأفضل تصميم وتشغيل لأنظمة الإنسان – الآلة – وفي ظروف تتطلب تخصيصاً للموارد المحدودة.
من التعريف الأول يتضح أن علم بحوث العمليات يعتمد على إستخدام النماذج الرياضية كقالب تصاغ فيه المشكلة الإدارية؛ إلا أن نجاح تكوين النموذج وتطبيقه يعتمد على قدرة متخذ القرار، حيث يتوقف نجاح عملية جمع البيانات للنموذج والتحقق من صحة تمثيله للواقع وتطبيقه على القدرة على إيجاد خطوط اتصال جيدة بين هؤلاء الذين لديهم المعلومات وبين من سيقوم بالتطبيق وفريق بحوث العمليات.
وأساليب بحوث العمليات تطبق في مختلف المجالات، مثل إدارة التجارة والصناعة، والمستشفيات، والقطاع العام … الخ. وتعتمد بحوث العمليات على استخدام المنهج العلمي وذلك بهدف إيجاد الحل الأمثل للمشكلة محل الدراسة، ومن أجل الوصول للهدف لابد من تحديد مقياس كافي يضع في اعتباره أهداف المنظمة ككل. حيث يستخدم المقياس لمقارنة البدائل المتاحة.
وتعتمد بحوث العمليات على إستخدام الحاسب الآلي نتيجة تعقد النماذج ال رياضية، وكثرة البيانات، وتعدد العمليات الحسابية المطلوبة أداؤها قبل الوصول إلى حل. كما أدى تطور الحاسب إلى وجود شركات متخصصة في إعداد البرمجيات “Software” المتعلقة بأساليب بحوث العمليات.
وتهتم بحوث العمليات بدارسة مشاكل الأمثلية التي تهدف إلى تعظيم أو تدنئة دالة الهدف التي تمثل عدد محدد من المتغيرات (أو الدوال)، بحيث تكون هذه المتغيرات مستقلة عن بعضها البعض أو مرتبطة ببعضها من خلال أحد أو مجموعة من القيود، لقد عرفت أساليب الأمثلية منذ 150 عام سبقت وطبقت في كثير من المجالات سواء الاقتصادية منها أو الهندسية أو الفيزياء.
عملية صنع القرار وبحوث العمليات
تتضمن عملية صنع القرار الخطوات الآتية :
- تعريف المشكلة.
- تحديد البدائل.
- اختيار مقياس للمقارنة بين البدائل.
- تقييم البدائل.
- اختيار أحد البدائل.
ومن خلال الخطوة الرابعة (تقييم البدائل) نجد أن عملية التقييم قد تأخذ اتجاهين أساسيين: تحليل نوعي “Qualitative” أو تحليل کمي “Quantitative”، ويقوم الاتجاه الأول على خبرة المدير، ويتضمن ذلك قدرته البديهية، فإذا كانت المشكلة سبق وأن حدثت، أو كانت سهلة نسبياً، فكثيراً ما يستخدم المدير فطنته وخبرته في معالجتها، ولكن إذا لم يكن لديه الخبرة اللازمة وكانت المشكلة صعبة ومعقدة، فلا بد إذا من الاتجاه الكمي في تحليل المشكلة ومن ثم اختيار البديل الأفضل.
أسباب الحاجة للأساليب الكمية
هناك حاجة لأساليب بحوث العمليات حينما نلاحظ أي من العلامات الآتية على المنظمة، مما يجعل من المفيد الاستعانة بأخصائي بحوث العمليات، ولعل أهمها:
- وجود مشكلة معقدة جداً، حيث تتداخل عوامل عدة وتعجز النظم المتوفرة عن إيجاد حل مناسب.
- حينما يتطلب القرار تبريراً كمياً.
- الحاجة إلى تقييم أو تقليل المخاطرة، كما هو الحال عند البدء في مشروع جديد حيث لا توجد خبرة مسبقة عن كيفية إتخاذ قرار منطقي.
- تكرار المشكلة، وعدم قدرة المنشأة على الاستفادة من البيانات لحل المشكلة.
- لتحسين مستوى الأداء، وتقليل المخاطرة، وتحقيق الميزة التنافسية للمنظمة.
أهمية استخدام نماذج بحوث العمليات
أهم النماذج المستخدمة هي النماذج الرياضية والمحاكاة الآلية، ويتم بناء النماذج الرياضية في بحوث العمليات من خلال كتابة المشكلة الإدارية في شكل معادلات تضم في تكوينها مجموعة من المتغيرات التي يمكن التحكم فيها، ومجموعة أخرى من المتغيرات التي لا تستطيع المنظمة التحكم فيها.
فمثلاً نجد أن القرار الإداري الخاص بتغيير أسعار منتجات الشركة لا يقف عند حد تغيير الأسعار بل لابد من دراسة تأثير هذا القرار على الإنتاج، والمبيعات، والطلب … الخ. وعلى هذا فإن النماذج الرياضية لا تقف عند حد استعراض هذه المتغيرات، ولكن أيضاً تحليل العلاقة والتفاعل بينها، وذلك من خلال سلسلة من المعادلات الرياضية.
ويمكن القول بأن النماذج الرياضية تساعد
- في التعامل مع المشكلة ككل (أي بصفة شاملة ).
- تساعد المحلل على رؤية المشكلة بوضوح وتحديد ما هي البيانات ذات العلاقة.
- في توضيح العلاقة بين السبب والأثر، والتي قد لا تكون واضحة بدون تجسيم رياضي.
- وبالرغم من هذه المزايا إلا أن التمثيل الرياضي لا يخلو من العيوب، فالنموذج تمثيل بسيط لموقف واقعي، وكثيراً ما نضطر لعمل فرضيات وتقديرات وتخمينات ونحن في مرحلة تمثيل المشكلة رياضياً.
خطوات التحليل الكمي
تشمل خطوات التحليل الكمي الآتي:
- تحديد المشكلة: تعتبر خطوة تحديد المشكلة من أهم الخطوات، ويتوقف عليها نجاح أو فشل المنهج الكمي في إتخاذ القرار. حيث يتطلب الأمر الكثير من الخيال، والإبداع، والعمل الجماعي من أجل صياغة المشكلة ووضعها في إطار يمكن تناوله كمياً. وغالباً ما تكون المشكلة:
- وضع جديد لم يتخذ بشأنه قرار من قبل.
- مجال لم يحقق نجاحاً كما هو متوقع له.
- في حالة إعادة تقييم للسياسة الحالية لمعرفة إمكانية تحسينها.
- تكوين النموذج الرياضي : صياغة المشكلة في نموذج رياضي هي أهم ما يميز علم بحوث العمليات عن غيره من العلوم القائمة على استخدام الأساليب الكمية، ويتم تكوين النموذج الرياضي عن طريق ترجمة التعبيرات اللغوية إلى علاقة رياضية. يشمل تكوين النموذج الرياضي:
- المدخلات التي لا تستطيع المنظمة التحكم فيها، مثل سعر السلعة أو تكلفة الإنتاج، وكذلك المدخلات التي تستطيع المنظمة التحكم فيها، مثل عدد الوحدات المنتجة، أو كمية البضاعة ونعرفها بالمجاهيل والتي يجب تحديدها لحل النموذج.
- المحددات وهذه تمثل القيود الفنية والاقتصادية وغيرها والتي تحد من قيمة الحلول الممكنة.
- دالة الهدف [بالإنجليزية: Function Objective] وتحدد مقياس الكفاية للإدارة، وتمثله بدالة رياضية للمتغيرات المتحكم فيها ونحصل على الحل الأمثل حينما تحقق قيمة المتغيرات المتحكم فيها أحسن قيمة للدالة في حدود القيود المفروضة.
- جمع البيانات: وهي مرحلة تجميع البيانات عن المتغيرات غير المتحكم فيها.
- حل النموذج : ويعني ذلك محاولة معرفة قيم المتغيرات المتحكم فيها والتي تعطي أفضل حل ممكن بدون تجاوز القيود المفروضة على المشكلة.
- كتابة التقرير: يجب أن يكتب بلغة بسيطة، موضحاً فيه الحل وطريقة تنفيذه.
شروط تطبيق بحوث العمليات
يمكن أن تطبق بحوث العمليات في مختلف المؤسسات الإنتاجية والخدمية كافة، بشرط توفر الآتي:
- محدودية الموارد التي تستعملها المؤسسة في عملياتها الانتاجية أو التجارية.
- تعدد البدائل التي يمكن من خلالها استغلال الموارد بشكل أمثل، واختيار البديل الأفضل وفق معايير أعلى فائدة أو منفعة أو أقل خسارة أو تكلفة.
استخدامات بحوث العمليات
يوجد العديد من المجالات التطبيقية لبحوث العمليات في الكثير من النواحي الاقتصادية والزراعية والصناعة والتجارية :
- الادارة الصناعية : حين تتعامل المصانع مع الإنتاج فهناك مشكلتان تظهران وهما إما تعظيم الأرباح أو تقليل التكلفة ولحل هاتان المشكلتان نستخدم الأساليب الكمية في الحل ويتم تطبيق بحوث العمليات أيضاً في تحديد كمية الإنتاج وزيادة الطاقة الإنتاجية والسيطرة على المخزون.
- الإدارة العسكرية: تستخدم بحوث العمليات في هذه الناحية بحيث تحدد أفضل الطرق للنقل بأقل الخسائر الممكنة وأيضاً وضع التكتيك الدفاعي الذي يعتمد على أسلوب البرمجة الخطية.
- الإدارة الزراعية: تستخدم في التوزيع الأمثل للمياه على الأراضي الزراعية ومساعدة البلدان التي تقل فيها الموارد المائية في السيطرة علي المخزون المائي وتوزيعه بشكل أفضل على السكان والزراعة والصناعة.
- إدارة الخدمات: تستخدم بحوث العمليات في النواحي الخدمية مثل المستشفيات ووسائل النقل وبعض الدوائر الحكومية في صفوف الانتظار، وأيضاً في تنظيم وصول القطارات والطائرات.
- إدارة التسويق: تستخدم بحوث العمليات في التسويق بحيث تستطيع التنبؤ بالطلب عند مستويات المحزون المتدنية، واختيار المنتج الذي يحقق أعلى عائد، وفي تحديد الأساليب التسويقية للمنتجات.
- الإدارة المالية: تطبق بحوث العمليات في الإدارة المالية لمساعدة المدير المالي في نواحي عديده منها التخطيط لزيادة أرباح المنظمة، والتخطيط للمشروع وزيادة رأس المال بالإضافة إلى التحليل المالي وتحليل التدفق النقدي.