الحديث النبويالدين

شرح وتخريج حديث المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا

شرح وتخريج حديث المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا
حديث المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا

حديث المؤمن للمؤمن كالبنيان

نص حديث المؤمن للمؤمن كالبنيان: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) .

تخريج حديث المؤمن للمؤمن كالبنيان

حديث المؤمن للمؤمن كالبنيان أخرجه “مسلم : كتاب البر والصلة والآداب, باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم”، وأخرجه ” البخاري رقم (6026)”، وأخرجه مسلم رقم (2585)، وأخرجه “أحمد في المسند, باب حديث أبي موسى الأشعري”، وأخرجه “ابن حبان في صحيحه, باب صدقة التطوع”، وأخرجه “النسائي في الكبرى, باب أجر الخادم إذا تصدق بأمر مولاه”، وأخرجه “البيهقي في السنن الكبير, باب نصر المظلوم والأخذ على يد الظالم عند الإمكان”، وأخرجه “أبو داود في سننه, باب أجر الخازن”، وأخرجه “الترمذي في جامعه, باب ما جاء في شفقة المسلم على المسلم”.

إقرأ أيضاً: أهمية الوحدة الإسلامية ومقوماتها وثمار وحدة المسلمين.

شرح حديث المؤمن للمؤمن كالبنيان

جاء الإسلام فوحد فكر أبناء الأمة الإسلامية وأهدافهم بمنهج موحد يعتصمون به ويرجعون إليه ، قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ﴾ [آل عمران ,آية:١٠٣]، كما جمع قلوبهم برابطة قوية لا تنفصم ، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات, آية:١٠].

وبذلك أنشأ الإسلام أمة متحابة مترابطة متعاونة، يجمع أفرادها شعور أبناء الأسرة الواحدة ، التي يحب بعضها بعضاً، ويشد بعضها أزر بعض، يحس كل منهم أن قوة أخيه قوة له ، وأن ضعف أخيه ضعف له.

وفي حديث المؤمن للمؤمن كالبنيان يبين لنا رسول الله ﷺ بقوله: ” المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا” أن التعاون والترابط والاتحاد المطلوب بين أبناء الأمة المسلمة يجب أن يكون كالبناء القوي الذي يصعب على أيدي الهدامين أن تنال منه، لأنه مكون من لبنات متماسكة متراصة في صفوف منتظمة، فاللبنة وحدها ضعيفة مهما تكن متانتها، وآلاف اللبنات المبعثرة المتناثرة لا تكوَّن بناء ، وأبناء الأمة الإسلامية مهما تكن كثرتهم لا قيمة لهم إن لم يكونوا مجتمعين متوحدين متعاونين ، وبذلك ندرك أهمية الوحدة بين أبناء الأمة الإسلامية وضرورتها.

وفي قول نبينا الكريم ﷺ ” المؤمن للمؤمن كالبنيان ” دليل على أهمية الوحدة الإسلاميّة، وتبيين من النبي ﷺ يفيد الحث على معاونة المؤمن لأخيه المؤمن ونصرته وأن ذلك أمر لابد منه، فهو شيء متأكد.

كما أن في قوله ﷺ ” المؤمن للمؤمن كالبنيان ” إرشاد لﺃﻣﺘﻪ ﺇﻟﻰ التلاحم والتعاطف والأخوة ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻛﺎﻟﺒﻨﻴﺎﻥ ﻳﺸﺪ ﺑﻌﻀﻪ ﺑﻌﻀﺎ. وفي حديث آخر: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم ﻛﺎﻟﺠﺴﺪ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺇﺫﺍ ﺍﺷﺘﻜﻰ ﻣﻨﻪ ﻋﻀﻮ ﺗﺪﺍﻋﻰ ﻟﻪ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﺑﺎﻟﺤﻤﻰ ﻭﺍﻟﺴﻬﺮ) هذه الأحاديث صريحة في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض وحثهم على ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﺇخواناً ﻣﺘﺮﺍﺣﻤﻴﻦ ﻣﺘﺤﺎﺑﻴﻦ ﻣﺘﻌﺎﻃﻔﻴﻦ، تجمعهم روابط الإيمان، ﻳﺤﺐ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ للآﺧﺮ ﻣﺎ ﻳﺤﺐ ﻟﻨﻔﺴﻪ، ﻭﻳﺴﻌﻰ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ، ﻭﺃﻥ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﺮﺍﻋﺎﺓ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ، ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻟﻤﺼﺎﻟﺤﻬﻢ ﻛﻠﻬﻢ. وفيه جواز التشبيه وضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأفهام.

فالمؤمن للمؤمن كالبنيان لا ينفرد بأمور دينه ولا بأمور دنياه، ولا تقوم مصالحه على الوجه المطلوب إلا بالتعاون، والتلاحم بينه وبين إخوانه، فإذا لم يحصل هذا وانشغل كل واحد بنفسه فإن ذلك مؤذن بتفكك الأسرة والمجتمع، وكم رأينا كثيراً من المشكلات التي تشيب لها المفارق، ولا تقوم الجبال لحملها، ولربما عجز الناس عن حلها، والسبب أن هذه الأسرة التي وقعت لها هذه المشكلة لا يعرف بعضهم بعضا، فهذا أحدهم يصارع الهموم والأحزان والآلام ولا يجد معيناً ومساعداً من أسرته.

أخيراً نود الإشارة إلى أن حديث المؤمن للمؤمن كالبنيان يحض على الحب وينفي الأنانية والأثرة كما تذوب هذه اللبنة في البناء ولا يعطي قيمة للذات المفردة كما صنعت الفلسفات الهادمة فلا قيمة لها الا داخل هذا التشكيل البنائي الذي يوطد مفهوم الإسلام روح الجماعة فيه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى