تخريج وشرح حديث المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف

حديث المؤمن القوي :
نص حديث المؤمن القوي : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : ( الْمُؤمنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤمنُ الضَّعيفِ وفي كلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ على ما يَنفعُكَ، واسْتَعنْ باللهِ ولا تَعجزْ. وإنَّ أصابك شيءٌ فلا تقلْ : لو أنِّي فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قُلْ : قدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَل، فإنَّ “لَوْ” تَفتحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) [مسلم: كتاب القدر, باب في الأمر بالقوة وترك العجز, رقم الحديث “4816”].
شرح حديث المؤمن القوي خير وأحب إلى الله :
في هذا الحديث يبين لنا رسول الله عليه الصلاة والسلام في قوله: “الْمُؤمنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤمنُ الضَّعيفِ” دعوة الإسلام إلى الإيجابية في كل شيء، فالمؤمن مطلوب منه أن يكون إيجابياً، ولا يكون كذلك إلا إذا امتلك القوة التي تعينه على القيام بما يجب عليه نحو ربه ونفسه وأمته، قادراً على تجاوز المعوقات والمغريات، فما المقصود بهذه القوة ؟ وفيما يلي شرح حديث المؤمن القوي، ومفهوم القوة في الإسلام:
إقرأ أيضاً: مفهوم القوة في الإسلام و عوامل القوة في حياة المسلمين.
- الْمُؤمنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ : المؤمن القوي أرفع مكانة وأكثر عطاء عند الله. وقول الرسول ﷺ “الْمُؤمنُ الْقَوِيُّ” يعني القوي في إيمانه وفي إرادته وعزيمته، قوي في أخلاقه، قوي في جسمه، فالقوة هنا قوة الإيمان، لأن كلمة القوي تعود إلى الوصف السابق وهو الإيمان، وليس المراد المؤمن القوي في بدنِه؛ لأن قوة البدن قد تكون ضررًا على الإنسان إذا استعمل هذه القوة في معصية الله، فقوة البدن ليست محمودة ولا مذمومة في ذاتها، إن كان الإنسان استعمل هذه القوة فيما ينفعه في الدنيا والآخرة صارت محمودة، وإن استعان بهذه القوة على معصية الله صارت مذمومةً. وقوله ﷺ : “خَيْرٌ” يعني: خير من المؤمن الضعيف وأرفع مكانة وأكثر عطاء عند الله.
- وفي كلٍّ خَيْرٌ: في قوله ﷺ “وفي كلٍّ خَيْرٌ”، يعني في كل من المؤمن القوي والمؤمن الضعيف كل منهما فيه خير لاشتراكهما في أصل الإيمان، مع ما يأتي به الضعيف من العبادات. وإنما قال: “وفي كلٍّ خَيْرٌ”؛ لئلا يتوهم أحد من الناس أن المؤمن الضعيف لا خير فيه، بل المؤمن الضعيف فيه خير، فهو خير من الكافر لا شك، وهذا يسمى في البلاغة بأسلوب الاحتراز.
- احْرِصْ على ما يَنفعُكَ: أي استثمر وقتك وجهدك فيما يعود عليك بالفائدة في الدنيا والآخرة، أي: على كل شيء ينفعك، سواء في الدين أو في الدنيا، فإذا تعارضت منفعة الدين ومنفعة الدنيا فقدِّمْ منفعة الدين؛ لأن الدين إذا صلح صلحت الدنيا، أما الدنيا إذا صلحت مع فساد الدين فإنها تفسد. وهذه وصية من الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام لأمته، وهي وصية جامعة مانعة، فقوله: “احْرِصْ على ما يَنفعُكَ” يعني أجتهد في تحصيله ومباشرته، وضد الذي ينفع الذي فيه ضرر، وما لا ينفع فيه ولا ضرر، وذلك لأن الأفعال تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم ينفع الإنسان، وقسم يضره، وقسم لا ينفع ولا يضر.
- واسْتَعنْ باللهِ ولا تَعجزْ : اطلب العون من الله ولا تنسى الاستعانة بالله ولو على الشيء اليسير. “ولا تَعجزْ” يعني استمر في العمل ولا تضعفك العقبات والمصائب وواجهها بصبر وإيمان. فما دمت صممت في أول الأمر أن هذا هو الأنفع لك واستعنت بالله وشرعت فيه فلا تعجز وتتقاعس.
- وإنَّ أصابك شيءٌ فلا تقلْ: لو أنِّي فعلتُ كان كذا وكذا: أي إذا حدث لك ما تكره وجاءتك النتائج على غير ما تحب فلا تستسلم للعجز ولا تتحسر على ما فات. وهذا يعني أنه بعد أن تحرص وتبذل جهدك، وتستعين بالله، وتستمر دون تكاسل أو تقاعس، ثم يخرج الأمر على خلاف ما تريد، فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا؛ لأن هذا أمر خارج عن إرادتك.
- ولكن قُلْ : قدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَل: قل هذا قدر الله، أي تقدير الله وقضاؤه، وانظر إلى المستقبل بعزيمة المؤمن ورضاه بقضاء الله وقدره لأنه لا أحد يمنعه أن يفعل في ملكه ما يشاء.
- فإنَّ “لَوْ” تَفتحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ: أي ان التحسر والتضجر على ما فات وسوسة شيطانية لا تغير من الأمر شيئاً.
تخريج حديث المؤمن القوي :
حديث المؤمن القوي : رواه مسلم: كتاب القدر, باب في الأمر بالقوة وترك العجز, رقم الحديث “4816”، وأخرجه ابن ماجه في سننه, باب في القدر, رقم الحديث “79” ، وأخرجه النسائي في الكبرى, مَا يَقُولُ إِذَا غَلَبَهُ أَمْرٌ رقم الحديث “9137”، وأخرجه ابن حبان في صحيحه, بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْكَلَامِ وَمَا لَا يُكْرَهُ , رقم الحديث”5814″، وأخرجه الحميدي في مسنده, بَابٌ جَامِعٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رقم الحديث “1064” ، وأخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده، والطحاوي في مشكل الآثار، وأبو الشيخ الأصبهاني في أمثال الحديث.