النظام السياسي الإسلامي وخصائصه ومكوناته

مفهوم النظام السياسي الإسلامي
لا بد لأي مجتمع من نظام سياسي يحدد هيكل نظام الحكم والمؤسسات السياسة العاملة فيه وطريقة ممارسة السلطة ، إضافة إلى أهداف النظام التي توجهه في تنظيم عمل كافة المؤسسات والأجهزة التي تقوم بإدارة المجتمع.
وبناء على ذلك يمكن النظر إلى النظام السياسي الإسلامي على أنه تلك المبادئ والقواعد والأحكام والإجراءات التي تتحدد في ضوئها أهداف النظام ووسائله في ممارسة السلطة في المجتمع الإسلامي ، وفي ضوئها تتكون أجهزة الحكم وتمارس مهام عملها في تناسق وترابط ، بحيث يمثل النظام في مجمله الصيغة الإسلامية للدولة أو الحكومة.
خصائص النظام السياسي الإسلامي
في ضوء المفهوم السابق يمكن استخلاص أهم الخصائص والمميزات للنظام السياسي الإسلامي كما يأتي :
- انبثاقه من الإسلام عقيدة وشريعة
فالنظام السياسي الإسلامي يستقي غاياته وأهدافه وشكله وطبيعة ممارسته للسلطة من مصدرين هما القرآن الكريم والسنة المطهرة ، بحيث تصبح الشريعة الإسلامية فيه هي صاحبة السلطان.
- سيادة الأمة
فاختيار الحاكم الأعلى وسائر الأجهزة الحكومية العليا أمر موكول إلى الناس ومشروط برضاهم.
- العدل والمساواة
النظام السياسي الإسلامي نظام يقوم على العدل ، ويناهض الاستبداد ، وأهم صور العدل تحيققه لمبدأ المساواة ، حيث يقرر أن الناس سواسية ، لا يتفاضلون بينهم إلا بمقدار التزامهم بأمر الله ، وإقامتهم لحدوده.
- المرونة
فالإسلام لم يحصر السياسة في أوامر تفصيلية صارمة ، ولم يحدد صيغاً بعينها لشكل النظام السياسي ، وإنما حدد مبادئ عامة تمثلت بوجوب الاعتصام بالإسلام ، وتحقيق العدل وبالتزام الأخلاق الإسلامية ، ولذلك فقد جاء النظام السياسي الإسلامي مرناً يحمل مرونة الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان ، فلم يحدد فيه الأمور التفصيلية التي قد تعوق حركة تطور المجتمع في وقت من الأوقات ، فعلى سبيل المثال أوجب الإسلام الشورى كجزء من النظام السياسي الإسلامي ، لكنه لم يلزم المسلمين بعدد معين من المستشارين ولم يلزمهم بأسلوب معين عند اختيارهم ؛ بل ترك صور تطبيق ذلك للمسلمين بما يتناسب مع مصالحهم.
مكونات النظام السياسي الإسلامي
يقوم النظام السياسي في الإسلام على قواعد وأركان لابد من وجودها وفق شروط محددة لكي يوصف بأنه إسلامي ، وهذه القواعد والأركان هي :
أولا : رأس الدولة
ويتمثل في الخليفة أو الرئيس أو الأمير أو الملك
(جميع هذه المصطلحات متقاربة في المعنى وسوف نختار مصطلح الرئيس عند الحديث عن رأس النظام ، نظراً لشيوع هذا المصطلح في الأنظمة السياسية ولقربة من الممارسات التي يقوم بها من يتولى هذا المنصب في كثير من المجتمعات)، والذي يتم اختياره بأي شكل من أشكال الشورى ، ولا بد من أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط من أهمها :
- أن يكون مسلماً : فلا يجوز لكافر أن يتقلد هذا المنصب الخطير ، قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ…﴾ [النساء, آية:٥٩]. أي منكم معشر المسلمين.
- أن يكون مكلفاً : والعقل والبلوغ شرط التكليف ، والرئاسة من أكثر التكاليف الشرعية عبئاً فلا بد من تحققها في من يتولى هذا الأمر.
- أن يكون عالماً : ويقصد بالعلم هنا ما يستطيع به أن يقوم بالمهام والأدوار التي يقتضيها موقعه ، ومن ذلك علمه بالشريعة الإسلامية علماً يستطيع بموجبه أن يقوم بمهام عملة وفق أحكامها حين يتصدى للفصل في القضايا المرفوعة إليه.
- أن يكون كفؤا : والمقصود بالكفاءة القدرة وسداد الرأي الذي يؤدي إلى حسن تدبير شئون الأمة وحسن سياستها بما يحقق مصالحها ويدرأ المخاطر عنها ، ومن ذلك قدرته في اختيار أكفأ الناس ، وتكليفهم بالمهام التي تتناسب مع كفاءتهم وقدراتهم ، كما أن من الكفاءة أن يكون سليم الحواس والأعضاء التي يؤثر فقدانها على القدرة في أداء أعباء المنصب ؛ كفقدان السمع أو البصر أو اليدين أو الرجلين.
- أن يتميز بالعدالة : والمقصود بالعدالة أن يكون المرشح لهذا المنصب قائماً بالفرائض مجتنباً الكبائر من الآثام ؛ غير متهاون في ارتكاب الصغائر ، متصفا بالأمانة، مأموناً في رضاه وغضبه ، غير جائر في أحكامه ؛ إلى غير ذلك من الأخلاق الإسلامية التي يجب أن تتوفر في من هو في مكانته.
- الذكورة : أجمع العلماء على انه لا يجوز للمرأة أن تتولى رئاسة الدولة الإسلامية، لقول رسول الله ﷺ: (لن يفلح قومٌ وَلَّوْا أمرهم امْرَأَةً) [البخاري: كتاب المغازي, باب كتاب النبي إلى كسرى وقيصر, عن أبي بكرة رضي الله عنه].
حقوق رئيس الدولة
من أهم حقوق رئيس الدولة على الأمة ما يأتي :
- الطاعة
الطاعة قاعدة مهمة من قواعد النظام السياسي الإسلامي فلا يتصور وجود نظام سليم ودولة قوية مستقرة لا تعتمد على شورى وعدل الحاكم وطاعة الرعية. ولذلك فقد أوجب الله تعالى طاعة الحاكم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ…﴾ [النساء:٥٩].
وطاعته تقتضي الاستجابة لما يدعو إليه ، والامتثال لما يأمر به ، ما دام ذلك في مصلحة الأمة ولا يخالف شرع الله ، ولا تجوز معارضته إلا إذا كان من باب التسديد والنصح بالطرق والوسائل الموصلة إلى هذا الغرض ، دون استعمال القوة والعنف ولا سيما إذا كان الاختلاف فيما تتباين فيه الآراء. ويدخل في طاعة الحاكم طاعة الولاة المعينين من قبله ، ومنع استخدام أي وسيلة تنقص من هيبتهم ، ما داموا مطبقين لشرع الله.
- النصيحة والنصرة
إن مهمة بناء مجتمع قوي يقوم على مبادئ الإسلام وقيمه ليست مهمة فرد أو مجموعة ، بل هي مهمة كل مسلم قادر على أن يسهم في تحقيقها بما يستطيع ، ومن ذلك تقديم النصيحة لكل من ولي أمراً في الأمة حتى تسير القافلة بثقة نحو تحقيق أهدافها، ونصرته بالوقوف ضد كل ما من شأنه تفريق الأمة وتمزيقها ، قال رسول الله ﷺ : (الدين النصيحة قلنا لمن ؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) [البخاري: كتاب الإيمان, باب بيان أن الدين النصيحة, عن تميم رضي الله عنه]. وتكون النصيحة لأئمة المسلمين بإعانتهم على القيام بمهامهم ، وتنبيهم عند الغفلة ، وجمع الناس حولهم على مبادئ الإسلام وأحكامه ، ومساعدتهم على إقامة العدل بين المسلمين ورفع الظلم عنهم.
واجبات رئيس الدولة
من أهم واجبات رئيس الدولة ما يأتي :
- إقامة العدل بين الناس بما تقتضيه مبادئ الدين الإسلامي الحنيف وأحكام الشريعة الإسلامية ، وكفالة حرياتهم ، وتحقيق المساواة بينهم ، بتولية أكفأ الناس ، والرفق بالرعية والإحسان إليهم ومتابعة مصالحهم.
- استشارة العلماء وذوي الخبرة والرأي ، فيشركهم في صنع القرار ، ليتبين معهم ما فيه مصلحة للأمة.
- تحقيق ما ينفع الأمة في دينها ودنياها ، ويحقق لها الخير والرفاهية ، ويجلب لها العزة والتمكين ، من محافظة على الأموال العامة للأمة ، وصيانة حقوقها ، والحرص على تنمية مصادر ثرواتها ، فينشئ المدارس والجامعات ومراكز البحوث ويقيم المستشفيات ويشق الطرق ، ويسعى لإيجاد فرص عمل لكل فرد في المجتمع قادر عليه ، وأن يتصدى لكل ما يضر الأمة ؛ فيقضي على الأمراض الاجتماعية من الأفكار السيئة والأخلاق الدنيئة ويحارب الفساد والمفسدين ويعمل جاهداً في القضاء على شرورهم ، ويهيئ للأمة ما يحقق لها الأمن والاستقرار ؛ ويشيع بينها روح الألفة والتعاون على الخير.
ثانياً : أهل الشورى
ويطلق عليهم أهل الحل والعقد ويعد أهل الشورى من المكونات الرئيسية للنظام السياسي في الإسلام ، لا يمكن تصور نظام سياسي سليم بدونه ، وهم يمثلون صفوة في المجتمع نالوا ثقة الناس وحبهم واحترامهم لما يتميزون به من العلم والخبرة ، واتصافهم بالأمانة وبأعمالهم المشرفة في خدمة الأمة ، فاختارتهم الأمة ليكونوا نواباً عنها في القيام ببعض الأمور التي لا يقدر على القيام بها عامة الناس.
ولم يحصر الإسلام عمل أهل الشورى بموضوعات بعينها ، كما لم يوجب على الحاكم أن يعرض عليهم قضايا محددة بل ترك الأمر لما تقتضيه مصلحة الأمة ، بحسب ما تمليه ظروف الزمان والمكان.
أدوار أهل الشورى
ويمكن أن نشير إلى أدوار أهل الشورى من خلال بيان أهم الأعمال التي يجب عليهم ممارستها باعتبارهم نواباً عن الأمة وذلك كما يأتي :
- اختيار رئيس الدولة
في النظام السياسي الإسلامي يتم اختيار الرئيس بطريقتين ، أحدهما الاختيار المباشر للأمة ، وهو ما يطلق عليه ( البيعة العامة ) ، والثانية : عن طريق أهل الشورى ، أو ما أطلق عليهم ( أهل الحل والعقد ). وفي الطريقة الثانية يتم اختيار رئيس الدولة بواسطة أهل الشورى (أهل الحل والعقد) ، حيث يقومون باختياره ممن تتوافر فيه شروط صلاحية تولي المنصب ، وهم يفعلون ذلك نيابة عن الأمة كلها باعتبارهم ممثليها ، ويقومون بهذا الدور كنواب عنها. وإذا تم اختيار الخليفة على هذا الأساس وبالشروط المطلوبة فيه ، فقد اكتسب الحاكم شرعية لحكمه ، وأصبحت طاعته واجبة على الأمة.
- البت في القضايا العامة للأمة
لا تنتهي الأدوار التي يقوم بها أهل الشورى باختيارهم للرئيس ، با إنهم سيظلون معاونين له ــ كوكلاء عن الأمة ــ في بعض القضايا العامة التي تهم الأمة كلها أو قطاع كبير منها ، ومن هذه القضايا اختيار الأجهزة الحكومية العليا للدولة ، وعقد الاتفاقات الدولية ، واتخاذ قرارات الحرب ، والمعاهدات والاتفاقات الدولية ، وغير ذلك من القضايا الكبرى التي يجب فيها مشاورة ذوي الرأي والخبرة وإشراكهم في صنع القرارات المتخذة إزاءها.
- سن القوانين
يعد أهل الشورى أهل الاختصاص فيما يتعلق بسن القوانين المحققة لمصالح الأمة ، فهم الذين يضعون ملامح السياسة العامة للأمة في السلم والحرب ، ويضعون الأسس العامة للخطط المالية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والدبلوماسية وغيرها بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية.
- الرقابة على السلطة التنفيذية
تعد الرقابة على السلطة التنفيذية جزءاً من مهمة أهل الشورى ، ويترتب على رقابة أهل الشورى للسلطة التنفيذية تقديم النصح لها وتقويمها ، ومحاسبتها في حال حدث تقصير منها ، لأن أي مسؤول أياً كان موقعه في السلطة التنفيذية مقيد بالقوانين المحققة لمصالح الأمة.
ثالثاً : مبدأ الشورى
يقوم النظام السياسي الإسلامي على الشورى ، ويعد هذا الأمر من أهم ما يميزه عن غيره من النظم السياسية التي اهتدى البشر إليها بتجاربهم.
وتقوم الشورى في النظام السياسي الإسلامي على أساس أن القصايا العامة والمشكلات الكبرى إنما هي مشكلات الأمة كلها ، وأن طرحها للتشاور بهدف الحصول على رأي سليم إزاءها إنما يأتي من خلال سؤال أهل الخبرة فيما هم خبراء فيه ، ثم عرض رأي أهل الخبرة على مقاييس الشريعة ، فإن خرج عن نطاق الحلال فلا يؤخذ به.
وتبرز أهمية الشورى في أنها الوسيلة التي أراد بها الإسلام توزيع السلطة بحيث تمكن الإفراد والهيئات من المشاركة في صنع القرارات التي تخص شئونهم العامة ، فلا يستقل بها أفراد أو طائفة مما قد يمهد الطريق للاستبداد من خلال الانفراد باتخاذ القرار .
كما يهدف تطبيق الشورى إلى تربية الأمة على إدارة أمورها من خلال ممارستها هذا الحق الذي شرعه الله لها ، فيحصد ثمارها المجتمع الإسلامي ثقة بين المحكومين والحاكمين واستقراراً يأتي ضمن الأولويات التي تسعى كل المجتمعات إلى تحقيقه.
ولا بد من قيام الشورى على قيم الإسلام ومثله كالعدل والحرية والمساواة ، إذا لا يمكن أن تكون هناك شورى بدون مساواة بين الناخبين والمرشحين ، ولا يتحقق العدل من دون مساواة بين أفراد الأمة في الحقوق والواجبات.
شروط قيام الشورى
قيام الشورى بمفهومها الإسلامي يستوجب توفر الشروط الآتية :
- إيجاد أجواء من الحرية تسمح للناس بالتعبير عن آرائهم في الأمور التي تتعلق بمصالحهم ، وتهيئة مناخ ملائم يمكنهم من معرفة الكيفية التي تدار بها هذه الأمور.
- أن يتم اختيار أهل الشورى بطريقة تتسم بالحرية الدالة على رضا الناس بهم.
- أن يقوم الممثلون بأداء ما يوكل إليهم من أعمال بحرية كاملة.
- أن تلتزم السلطات التنفيذية بما يتوصل إليه رأي الأغلبية ، وتعمل بمقتضاه.