
الحياة الاجتماعية في الحضارة الإسلامية
استفادت الحضارة العربية الإسلامية من الحضارات السابقة لها، واعترفت بالأديان السماوية التي بشرت بالدين الإسلامي الخاتم واستوعبت مختلف الشعوب والأقوام التي أسهمت فيها، وكانت أشبه بحديقة مليئة بزهور وورود من ألوان متعددة تنضح بجمال التسامح وتحقق متعة التعايش في إطار المجتمع العربي الإسلامي الواحد وحماية الدولة العربية الإسلامية الواحدة وقد تعايش فيها المسلم والمسيحي واليهودي وغيرهم ، وتمتعوا بحقوقهم المتساوية في ظلها، وأدوا واجباتهم نحوها، وأغنوها بإسهاماتهم المبدعة حتى تمكنت من إنجاز أعظم رصيد اللحضارة الإنسانية، وإحداث أعمق تأثير في كل الحضارات اللاحقة لها .
إقرأ أيضاً : الحياة الاقتصادية في الحضارة الإسلامية.
أولا: مكونات المجتمع العربي الإسلامي :
كان للمجتمع العربي الإسلامي في الحضارة الإسلامية عدة مكونات، أهمها :
- الحگام : وهم رجال الحكم في الدولة الإسلامية من خلفاء وأمراء ووزراء وولاة .
- الفقهاء : وهم قوام المساجد والقراء والفقهاء والخطباء والقضاة وشاهد والعدل.
- أرباب السيوف : وهم قادة حرس الحكام وقادة الجيوش وقادة الأساطيل وقادة الشرطة.
- أرباب الأقلام : وهم اب دواوين الدولة والمترجمين والوراقين والعلماء والفلاسفة والأطباء والأدباء والشعراء .
- ذوو المهن : وهم المشتغلون بالمهن المختلفة كأصحاب الحرف والتجار والصناع.
- الزراع : وهم الغالبية السكانية المشتغلة بالزراعة واستصلاح الأرض، وبناء السدود وقنوات الري.
إقرأ أيضاً : المظاهر الاجتماعية والروحية لحضارة اليمن القديم.
ثانيا : الملامح العامة للحياة الاجتماعية :
اختلفت الملامح العامة للحياة الاجتماعية من عصر إلى عصر في الحضارة الإسلامية ، ومن أهم هذه الملامح ، نذكر ما يلي :
- تعايش العرب : على الرغم من أن العرب هم مادة الإسلام وأساس دولته وقوام حضارته والأمة الحاملة للواء رسالته الخالدة إلى البشرية ، إلا أنه منذ أن ظهر الإسلام بذر رسوله الكريم لا في واقع العرب، بذرة القومية الحضارية بمفهومها الإنساني غير العرقي، وذلك عندما وضع مفهومة ومضمونة حضارية جديدة للعرب والعروبة بقوله لقومه العرب ( أيها الناس إن الرب واحد ، والأب واحد ، وليست العربية لأحدكم من أب ولا أم ، وإنما هي اللسان ، فمن تكلم العربية فهو عربي) .
- احترام أهل الذمة : تمتع أهل الذمة ( أهل الكتاب ) من يهود ونصاری بالمساواة والاحترام مع المسلمين في الحضارة العربية الإسلامية في الحقوق والواجبات العامة . فقد كانت الدولة العربية الإسلامية أرحم بهم من ظلم الحكام الرومان وطغيان الحكم البيزنطي . وقد أثبتوا أكثر من مرة ( والمسيحيون منهم خاصة ) وفاءهم لها عندما حاربوا الصليبيين تحت لوائها ودافعوا عن وطنهم العربي الإسلامي وحضارتهم ضد الغزاة والطامعين في خيراتهم مثلهم مثل المسلمين . ومن الدلائل الهامة على احترام أهل الذمة في المجتمع العربي الإسلامي والحضارة العربية الإسلامية ، نذكر ما يلي :
إقرأ أيضاً : المظاهر الاجتماعية والروحية لحضارة بلاد الرافدين.
- أباحت لهم إقامة شعائرهم وإعلان طقوسهم في معابدهم وكنائسهم .
- أقرتهم على اتباع أحكام دينهم فيما ينشأ بينهم من معاملات و مرافعات مالم يتحاكموا إلى الشريعة الإسلامية .
- أوجبت لهم القصاص عند الاعتداء على نفوسهم، والدية في حالة القتل الخطأ مثلهم مثل المسلمين .
- أثبتت لهم ضمان المال أو رده عند الغضب والإتلاف .
- كفلت لهم الحماية من الاعتداء الخارجي وإنقاذ من أسر منهم أو رد الجزية اليهم في حالة العجز عن حمايتهم أو إنقاذهم من الأسر .
- كفلت لهم الحق في مختلف المهن والمناصب التي يتقنونها في المجتمع والدولة مثلهم مثل المسلمين.
وقد تساوى أهل الذمة والمسلمون في أداء الواجبات نحو الدولة العربية الإسلامية، هذه الواجبات المشتركة بين أهل الذمة والمسلمين نحو الدولة ، تذكر ما يلي:
- عدم موالاة أعداء المسلمين.
- عدم تقديم أي عون لأعداء المسلمين .
- المحافظة على كيان الدولة الإسلامية .
- دفع أهل الذمة الجزية في مقابل الحماية ودفع المسلمين الزكاة وواجبات مالية أخرى
- عدم إعلان المنكر بأية صورة .
- ترقية الموالي : الموالي هم الأرقاء ( غير العرب ) الذين دخلوا الإسلام وأعتقوا من العبودية وأطلق عليهم اسم الموالي أو ( موالي العتاقة ). وقد وجد الموالي من فرس وأتراك وغيرهم في بهم للترقي الاجتماعي في المجتمع والدولة والحضارة، ومن أهم الدلائل على ترقية الموالي في الحضارة العربية الإسلامية ، نذكر مايلي:
إقرأ أيضاً : المظاهر الاجتماعية والروحية لحضارة بلاد الشام.
- سيطرة الموالي الفرس على أمور الدولة وشئونها في العصر العباسي .
- وصول الموالي الفرس إلى مراكز الإدارة والقيادة في الدولة .
- تحكيم بعض الموالي الفرس والأتراك في شخصيات بعض الخلفاء العباسيين .
- تزوج بعض الخلفاء من الفارسيات الموالي فأصبحن أمهات الخلفاء .
- إسهام الموالي في بناء الدولة وتشييد الحضارة الإسلامية .
- تحرير الرقيق : الرقيق هم العبيد ( من جميع الأجناس الذين حرموا من حريتهم الطبيعية نتيجة الاسترقاق في الحرب أو البيع في سوق النخاسة قبل الإسلام، ووجدوا في الإسلام وتشريعاته المحرمة للرق والاسترقاق حركتهم للحرية. حيث كان الرقيق معروفا عند الأمم القديمة جميعها ، وعندما بزغ فجر الإسلام وجد عبيد قريش فيه حركتهم للحرية. وقد شكل الإسلام ثورة تحرير تدريجي للرقيق من خلال التشريعات الكفيلة بالقضاء على الرق في نهاية المطاف ومن أهم هذه التشريعات ، نذكر ما يلي:
إقرأ أيضاً : المظاهر الاجتماعية والدينية والاقتصادية لحضارة وادي النيل.
- المساواة بين الناس على اختلافهم كأخوة لا تفاوت بینهم إلا بقدر ما يتفاضلون به من الإيمان والتقوى .
- تحریم استرقاق المسلم بأي حال . من الأحوال .
- تحرير الرقيق من الداخل بتحرير أنفسهم من العبودية إلا الله وحده .
- تحرير الرقيق من الخارج وفتح مجالات العتق أمامهم سواء بالكفارات أو بالتطوع أو بالمكاتبة .
- الترغيب في إعتاق الرقيق بدون مقابل ابتغاء وجه الله تعالى وهو ما عرف ب ( فك الرقبة ) .
- تخصيص جزء من أموال الزكاة لدفع ( الثمن ) لشراء الرقيق وتحريره .
- جعل تحرير الرقاب كفارة لبعض الذنوب مثل القتل وهكذا نرى أن الإسلام ( مجتمعا ودولة وعقيدة وحضارة وثقافة ومدنية ) أغلق أبواب الرق وعمل على تحرير الأرقاء والإحسان اليهم قبل الأمم الأخرى بمئات السنين، مما ساعد على القضاء على الرق تدريجيا، فارتقى بعض الذين كانوا أرقاء في مكانتهم الاجتماعية بعد عتقهم وتبوأوا مكانة كبيرة في تاريخ الدولة الإسلامية .