مفهوم الأروش والجنايات وحكمها في الفقه الاسلامي

الحكمة من تشريع الأروش والجنايات
خلق الله الإنسان في أحسن تقويم ، وشرع الأحكام التي تحافظ على هيئته القويمة ، فمن اعتدى عليه بجرح أو بتعطيل لعضو من أعضائه ، فإنه يقتص من الجاني بمثل فعله في المجني عليه – إلا أن يعفو المجني عليه عن الجاني. قال تعالى : ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [سورةالمائدة, آية: ٤٥]. فإذا تعذر استيفاء القصاص من الجاني بما يساوي الجناية في المجني عليه أو اختار المجني عليه العوض ، فقد شرع الله الأرش ضمانا لحق المجني عليه ، وتيسيرا على الجاني .
إقرأ أيضاً: مكانة القضاء واهميته في الاسلام.
مفهوم الأروش وحكمها
الأروش في اللغة : العوض أو جبر النقص. وفي الاصطلاح الفقهي : عوض مالي يحكم به على الجاني للمجني عليه عن الجناية الواقعة في جسمه.
وحكم الأروش : يجب على الجاني دفع العوض من ماله إذا كان الفعل عمداً وكان الجاني يملك مالاً ، أو تدفع العاقلة (القبيلة التي ينتمي إليها) عنه إذا كان لا يملك مالاً ، أو كان الفعل خطأ.
موجبات الأروش
الأصل في الجنايات القصاص ، إلا أنه قد يستبدل بالأرش ، فيجب الأرش على الجاني للمجني عليه في الحالات الآتية :
١) تنازل المجني عليه للجاني مقابل الأرش ، فمن أصاب شخصا بجناية عمداً استحق القصاص إلا أن يعفو المجني عليه أو يرضى بالأرش.
٢) إذا تعذر القصاص من الجاني. من المعلوم أن شرط القصاص المساواة بين الجناية في المجني عليه والقصاص من الجاني ، فمن قطع أنفاً قطعت أنفه ومن قطع أذناً قطعت أذنه . وهكذا ، غير أن المساواة غير ممكنة في بعض الجنايات كالمأمومة والجائفة .. وغيرهما ، لذلك يعدل إلى الأرش .
٣) أن تكون الجناية من غير مكلف ، كالصبي والمجنون ، والحيوان المملوك.
٤) أن تكون الجناية من مكلف ، ولكن بطريق الخطأ لحديث: (( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )) [أخرجة الحاكم ، كتاب الطلاق ، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما]. وقد يحدث من المجني عليه العفو عن الجاني بغير مقابل ، فمن عفا بقصد المن والإحسان إلى الجاني ، نال الأجر من الله. قال تعالى : ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [سورة الشورى, آية: ٤٠].
أنواع الجنايات وأروشها
أولاً : الجنايات التي فيها الدية كاملة
الجنايات التي أرشها دية كاملة كثيرة منها ما ورد به نص شرعي ، ومنها ما فيه حكومة (الحكومة تعني ما يقدره الحاكم إجتهادا ، وقد قدر الفقهاء الجنايات غير المنصوص عليها ، ونص قانون الجرائم والعقوبات رقم ( 12 ) لسنة 1994م على سبع وعشرين جناية يلزم فيها الدية في المواد ( 41 ، 42 ). سنذكر بعضا منها فيما يأتي:
- الأنف : إذا تم قطعه واستئصاله.
- اللسان : إذا قطع من أساسه أو قطع بما يتسبب في منع الكلام.
- العينان : إذا فقدتا وذهب شكلاهما.
- الصلب : وهو العمود الفقري.
- التسبب بفقدان العقل.
- أصابع اليدين كاملة.
- أصابع الرجلين كاملة.
- كل حاسه من الحواس الخمس : (السمع ، البصر ، اللمس ، التذوق ، الشم) فلو أن شخصاً سلط ضوءا قويا على عيني آخر، أو سلط ضوءا قويا أفقده سمعه ، يجب عليه الأرش دية كاملة عن ذهاب البصر أو عن ذهاب السمع ، ولو لم يذهب شكل العينين ، أو شكل الأذنين.
ثانياً: الجنايات التي فيها أقل من الدية
والجنايات التي يجب فيها أقل من الدية منها ما ورد به نص ، ومنها ما فيه حكومة (وهي أيضاً مفصلة في كتب الفقة وقد نص القانون على إحدى عشرة جناية). وسنذكر بعضا منها فيما يأتي :
- الرجل الواحدة : إذا بترت نصف الدية = 50 % وهذا يعني أن في الرجلين الدية كاملة.
- المأمومة : وهي الجرح الواقع على الرأس الواصل إلى الدماغ، وهو الكسر في عظم الجمجمة ، وفي هذا الجرح ثلث الدية = 33,33 %.
- الجائفة : وهي الجرح الذي يصل إلى الجوف ، في البطن أو الصدر ، وسواء جاءت من الظهر أو الصدر ، فالرصاصة _ مثلاً _ التي تدخل من جهة ولا تخرج من الجهة الأخرى تصنع جائفة ، وأرشفها ثلث الدية = 33,33 %.
- المنقلة : وهي الكسر في العظم من الجهتين بحيث ينقل العظم من مكانه وفيها 15% من الدية.
- الهاشمة : وهي التي توضح العظم وتهشمه وتفتته من جهة واحدة ، وفيها 10% من الدية.
- السمحاق : وهي التي تقطع اللحم حتى ما يكون بينها وبين العظم إلا قشرة رقيقة وفيها 4% من الدية.
- المتلاحمة : وهي التي قطعت الجلد وأخذت في اللحم ، وفيها 3% من الدية.
- الباضعة : وهي التي قطعت الجلد إلى أن وصلت إلى اللحم ، وفيها 2% من الدية.
أرش المرأة :
نص القانون في المادة ( 42 ) على أن أرش المرأة مثل أرش الرجل إلى 30% من دية الرجل ثم ينصف ما زاد ، فلو أن شخصاً تسبب بإصابة امرأة بمنقلتين وهاشمة ، فإنه يحكم عليه ب 35 % من دية الرجل 30 % للمنقلتين ، و5 % نصف أرش الهاشمة .. وهكذا.