مفهوم الاجتهاد واهميتة ومجالاتة واهم شروط المجتهد
تتميز الشريعة الإسلامية بالخلود لأنها تحمل خاصية التجدد ، فهي صالحة لكل زمان ومكان ، لكل الأمم والشعوب ، فقد واكبت حياة الناس المتطورة ولبت احتياجاتهم المتنوعة واستوعبت أهل الصحراء ، كما استوعبت أهل المدن، يدرك عظمتها العالم في معمله والرحالة في رحلاته ، والتاجر في متجره ، والفلاح في مزرعته شريعة لكل البيئات ، ولعل من أهم الأمور التي جعلتها تستوعب كل المتغيرات رعايتها لمبدأ الاجتهاد ؛ وهو موضوع مقالنا هذا ، حيث سنتناول فيه مفهوم الاجتهاد ، وأهمية الاجتهاد ، ومجالات الاجتهاد ، وأهم شروط المجتهد .
-
مفهوم الاجتهاد
الاجتهاد لغتاً مأخوذ من الجهد وهو بذل الطاقة وتحمل المشقة . أما مفهوم الاجتهاد بالمعنى الاصطلاحي فهو بذل أقصى جهد لاستنباط الأحكام لقضية ليس لها حكم شرعي . فالاجتهاد على هذا يمثل نشاطاً ذهنياً يقوم به عالم أو مجموعة من العلماء امتلكوا قدرات علمية معينة ، وفق منهج علمي يراعى فيه المقاصد الكبرى للشريعة والواقع المراد تطبيق الحكم فيه . وحكم الاجتهاد واجب على الأمة بمجموعها ، فإذا قام به البعض على وجه الكفاية وتحقق الغرض وسد الحاجة سقط عن البقية.
-
اهمية الاجتهاد
ويحتل الاجتهاد في الشريعة الإسلامية مكانة عالية وكبيرة في الفكر الإسلامي لأسباب منها :
١) أنه يحقق بعض خصائص الإسلام كالعالمية ، التي أشار إليها القرآن بقوله : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [سورة الأنبياء , آية : ١٠٧]. كما أنه يحقق المرونة واستيعاب المتغيرات.
٢) أن في الاجتهاد تقديراً لمكانة العقل الإنساني الذي خلقه الله وكرم به حامله ، فقال تعالى : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } [سورة الإسراء , آية : ٧٠].
٣) أن الاجتهاد يمنح المسلمين التجدد في حياتهم العلمية والعملية لأنه يتيح مساحة واسعة من البحث والتعمق الفكري ، ولأنه يوجد للأمة الحلول للمستجدات التي لا نص عليها.
-
مجالات الاجتهاد
ِالقيام بالاجتهاد فريضة شرعية اختص الله العلماء به ، وهو ضرورة لمواجهة المستجدات في شتي مجالات النشاط الإنساني ، وهو مختص بمجال التشريع فيما لا نص فيه دون العقائد ، وفيما يأتي نشير إلى أهم مجالاته :
١ ) مجال المعاملات كالتجارة والصناعة والزراعة ، وكل الجوانب الاقتصادية.
٢ ) مجال الأحوال الشخصية ، كالزواج والطلاق ، وعلاقة الزوج بزوجتة ، والآباء بالأبناء والعكس ، وغيرها مما يصنف في مجال الأحوال الشخصية.
٣ ) المجال السياسي ، كعلاقة الحاكم بالمحكوم ، وعلاقة الدولة بالدول الأخرى والسلم والحرب أو الصلح.
٤ ) المجال القضائي ، كتنظيم القضاء ، وتقنين الأحكام الشرعية وكيفية فصل الخصومات ، ومعرفة الاستدلالات الحديثة المختلفة.
-
شروط المجتهد
للمجتهد شروط عديدة يمكن اختصارها فيما يأتي :
١ ) العلم الواسع بالشريعة الإسلامية حتى يتمكن من التعامل مع النصوص في الكتاب والسنة ومعرفة كيف يتعامل مع مصادر التشريع الأخرى كالقياس والمصلحة وغيرهما من المصادر ، وأهم علوم الشريعة اللازمة للمجتهد العلم بأصول الفقة باعتباره القواعد الموصلة لاستنباط الأحكام ، وعلوم القرآن ومصطلح الحديث.
٢ ) معرفة واقع المسألة المراد الاجتهاد فيها ؛ لان جهلها يمنع من استخراج الحكم لمواجهتها.
٣ ) القدرة على الاستنباط.
٤ ) الورع في الدين ، فالمجتهد يتعامل مع شريعة الله ، فإذا كان غير ورع قد يجتهد وفق هواه ، فيحل ما حرم الله أو يحرم ما أحل الله.
٥ ) وفي حالة الاجتهاد الجماعي يمكن الاعتماد على التكامل ، بحيث إذا نقص شرط في بعض المجتهدين وتوفر في الآخرين أغنى كما في حالة المجامع الفقهية التي تجمع المختصين في العلوم المختلفة.
-
الاجتهاد في كل عصر
انقطع تسديد الوحي للمسلمين بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يبق لهم إلا النصوص الموجودة بين أيديهم ، وبمقتضى شهادة المسلمين على الأمم السابقة وفق التوجيه الإلهي ، قال تعالى : { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ } [سورة البقرة , آية : ١٤٣]. فإن عليهم تنظيم حياتهم وفق شريعة الله ، ومعلوم أن حوادث الحياة متجددة ومطلوب من المسلمين مواجهتها بما يناسبها من الأحكام الشرعية ولا سبيل لهم إلا الاجتهاد لذلك فهو ضروري لكل عصر وكل مكان ، لذلك يجب إخراج العلماء المجتهدين وإعدادهم بما يناسب الدور المناط بهم.