أهم مصادر السيرة النبوية
بعد أن عرفت عزيزي القارئ أهمية السيرة النبوية ومكانتها في ثقافة المسلم وأثرها في بناء شخصيته، سنبين لك في هذا المقال أهم مصادر السيرة النبوية التي يمكن التعرف على السيرة النبوية من خلالها.
مصادر السيرة النبوية
- أولاً: القرآن الكريم
يعتبر القرآن الكريم من أهم مصادر السيرة النبوية لذلك نجد أن الآيات القرآنية الكريمة قد تناولت حياة الرسول ﷺ قبل بعثته وبعدها، فتحدث القرآن الكريم عن نشأته في بعض الآيات مثل قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ{6} وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ{7}﴾ [سورة الضحى]، كما أشار إلى أخلاقه الكريمة في قوله تعالی: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [سورة القلم,آية:4]، وأورد القرآن الكريم عدد من الآيات التي تحدثت عن هجرته، وأهم المعارك التي خاضها بعد الهجرة، مثل معركة بدر، وأحد، والأحزاب، وصلح الحديبية، وفتح مكة، وغزوة حنين، وتحدث عن حادثة الإسراء والمعراج، وغيرها من الوقائع والأحداث التي ذكرت بصورة إجمالية.
كما تناول القرآن الكريم أمور كثيرة عن حياة العرب قبل الإسلام فتحدث عن حياتهم الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فذكر بعض أسماء الأصنام التي كانوا يعبدونها، وتحدث عن بعض رحلاتهم التجارية، كما في قوله تعالی: ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ{1} إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ{2} فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ{3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ{4}﴾ [سورة قريش]. وتحدث عن بعض عاداتهم الذميمة كشرب الخمر، ووأد البنات، ولعب القمار والميسر، وجميع ذلك له صلة بدراسة السيرة النبوية.
- ثانياً: كتب الحديث النبوي
المصدر الثاني من مصادر السيرة النبوية كتب الحديث النبوي، فقد اعتنى المسلمون عناية فائقة بما روي عن رسول الله ﷺ من أقوال وأفعال سواء ما يتعلق بالأحكام أو السير والمغازي، وأودعوا ذلك حوافظهم، وعندما جاء عصر التدوين وأخذ الناس في تدوين العلوم والمعارف، دُوِّنت السيرو ضمن كتب الحديث وشغلت حيزاً منها، فكثير من الذين جمعوا الأحاديث لم تَخْلُ كتبهم عن ذكر ما يتعلق بحياة النبي ومغازيه، وخصائصه، ومناقبه ، ومناقب صحابته، وذلك مثل کتاب”موطأ” الإمام مالك، وصحيحي البخاري ومسلم وغيرها من كتب الحديث.
- ثالثاً: الكتب المخصصة للسيرة النبوية
أفرد بعض العلماء المتقدمين كتباً تضمنت الروايات المتعلقة بسيرة النبي ﷺ، مثل: كتاب (الشمائل) للترمذي، وكتاب (الأنوار في شمائل النبي المختار) للإمام البغوي، وكتاب (دلائل النبوة) لأبي نعيم، وكتاب (دلائل النبوة) أيضاً للحافظ البيهقي، وكتاب (الخصائص) للسيوطي. وغيرها.
- رابعاً: كتب التاريخ
اهتمت كتب التاريخ بنقل الحقائق والمعلومات المتعلقة بالسيرة النبوية، ومن أشهر هذه الكتب والمؤلفات:(تاريخ الأمم والرسل والملوك) لابن جرير الطبري، وكتاب (فتوح البلدان ) لأحمد بن يحيى البلاذري، وكتاب (مروج الذهب) لأبي الحسن بن حسين المسعودي، وكتاب (البداية والنهاية) لابن كثير.
- خامساً: الشعر العربي
هاجم المشركون الرسول ﷺ على ألسنة شعرائهم، مما اضطر شعراء المسلمين إلى الرد عليهم، أمثال حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وغيرهما، ومن هذه الأشعار يمكن استنتاج حقائق كثيرة عن البيئة والمحيط الذي عاش فيه الرسول ﷺ، والتي يمكن أن تثري دارس السيرة النبوية بكثير من المعلومات والحقائق.
تطور التأليف في السيرة النبوية
بدأت كتابة السيرة النبوية على يد عدد من الصحابة والتابعين أبرزهم “عبد الله بن عباس” حبر الأمة رضي الله عنهما، ثم كتب بعد ذلك في هذا المجال “أبان بن عثمان” و “عروة بن الزبير بن العوام” ، ومن صغار التابعين : “عبد الله بن أبي بكر الأنصاري” ، و “محمد بن مسلم بن شهاب الزهري” ، الذي جمع السنة في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز بأمر منه، وغير هؤلاء كثير.
ثم انتقلت العناية بالسيرة النبوية إلى من بعدهم حتى أفردوها بالتأليف، ومن أشهر أوائل المؤلفين في السيرة:
-
أبو بكر محمد بن إسحاق بن يسار المُطَّلِبِي
نشأ في المدينة وأهتم بالجلوس إلى العلماء يحفظ الحديث، ومن شيوخه في السيرة : القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأبان بن عثمان بن عفان، ارتحل إلى مصر والعراق والشام وغيرها، وتوفي في منتصف القرن الثاني الهجري، شهد له العلماء بغزارة علمه وإمامته في المغازي والسير، ألَّف كتابه المشهور به «مغازي ابن إسحاق» واطلع عليه تلامذته، وفي مقدمتهم الشيخ البكائي وهو شيخ ابن هشام.
-
الواقدي (محمد بن عمر بن واقد)
كان الثاني بعد ابن إسحاق في العلم بالمغازي والسير والتواریخ، وقد كانت كتبه عمدة للمؤرخين من بعده، ونقلوا منها واقتبسوا، وللواقدي كتاب في السيرة سمَّاه
المغازي، وهو من أكبر المصادر التي اعتمد عليها المؤلفون في مغازي النبي ﷺ، توفي ببغداد سنة ۲۰۷هـ و قیل ۲۰۹هـ .
-
أبو محمد عبد الملك بن أيوب المعافري الحميري المعروف بابن هشام
نشأ في البصرة ونال حظاً وافراً من العلم، وخاصة في علم التاريخ والأنساب والمعازي، عكف على كتاب ابن إسحاق، مما رواه عن شيخه البكائي، ومما رواه هو شخصية عن شيوخه مما يذكره ابن إسحاق في سيرته، فجاء كتابه المشهور به «سيرة ابن هشام» من أوفى مصادر السيرة النبوية وأدقها، ولقي من القبول ما جعل الناس ينسون کتاب ابن إسحاق.
كما برز مؤلفون آخرون مثل: ابن سعد الذي اشتهر مؤلفه به (طبقات ابن سعد) خصص منه عدة مجلدات للسيرة . واستمر العلماء في التأليف في مجال السيرة النبوية حتى العصر الحاضر، ومن أشهر المؤلفين في عصرنا : الشيخ / محمد الخضر صاحب کتاب «نور اليقين في سيرة سید المرسلين» ، والشيخ صفي الرحمن المبار كفوري صاحب کتاب «الرحيق المختوم».
كما تناول السيرة دراسة وتحليلاً علماء آخرون أمثال : الشيخ محمد الغزالي في كتابه «فقه السيرة»، والشيخ محمد الصادق إبراهيم عرجون في كتابه «محمد رسول الله»، والشيخ محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه «فقه السيرة النبوية » وغيرهم.