
مراكز الحضارة الإسلامية في مصر والمغرب العربي والأندلس، لم يقتصر ازدهار مراكز الحضارة الإسلامية على المشرق العربي فقط، بل كان لمصر والمغرب العربي حتى الأندلس ( أسبانيا حالياً) حضاً وافراً. فما مراكز الحضارة الإسلامية في مصر والمغرب العربي والأندلس ؟
إقرأ أيضاً : مراكز الحضارة الإسلامية في المشرق العربي.
أولاً : مراكز الحضارة الإسلامية في مصر
- مدينة الفسطاط : بناها عمرو بن العاص، واتخذها عاصمةإدارية لولاية مصر، وكان لليمنيين الذين شاركوا في فتح مصر دور كبير في تخطيطها وعمرانها، حيث بني فيها دار الإمارة والمسجد الجامع الذي كان يتلقى فيه الناس تعاليم أصول الدين الإسلامي، و تدریس مختلف العلوم. وإضافة إلى شهرتها الإدارية والعلمية، فقد تميزت برخائها الاقتصادي وازدهار أسواقها، مما جعلها أول محطة تجارية يصل إليها المسافرون من الشام، ومركزا هاما للحضارة الإسلامية في مصر .
- مدينة القاهرة : بناها الفاطميون في عهد الخليفة المعز لدين الفاطمي، وجعلها عاصمة للدولة الفاطمية بالقرب من مدينة الفسطاط، وكانت نقطة التقاء بين الجناح الآسيوي، والجناح الأفريقي للوطن العربي .وقد ازدهرت القاهرة وأصبحت مركزا حضاريا إسلامية بعد سقوط الخلافة العباسية، وتدمير بغداد على يد المغول، ومن أهم المعالم الحضارية في مدينة القاهرة جامع وجامعة الأزهر الشريف، الذي يعد من أقدم المؤسسات التعليمية في العالمين الإسلامي والمسيحي، ولا يزال الأزهر حتى اليوم واحد من أهم مراكز الحضارة الإسلامية، حيث يقوم بدوره في نشر الإسلام وتعاليمه السمحة، في المجالات الدينية والعلمية المختلفة، ويقصده طلاب العلم من جميع أنحاء العالم الإسلامي .
ثانياً : مراكزها في المغرب العربي
- مدينة القيروان : تقع في تونس وقد أنشأها عقبة بن نافع، في موقع إستراتيجي يشرف ويتحكم في مداخل الطرق منها وإليها. وكانت مدينة القيروان قاعدة للفكر، وقلعة للعلم والفقه بالمغرب العربي وعموم أفريقيا وامتد تأثيرها إلى أوروبا، فقد اشتهرت بعلماء انتشرت مؤلفاتهم في أوروبا قبل عصر النهضة الأوروبية مثل : علي ابن أبي الرجال القيرواني في الفلك، وأبو اليسر الشيباني الذي أسس بيت الحكمة في مدينة رقادة ( قرب القيروان )، التي تعد أقدم مؤسسة فكرية وجدت في تونس لدراسة العلوم الفلسفية والرياضية، والفلكية، والطبية، كما أصبح جامع وجامعة القيروان منارة للعلوم الدينية التي انتشرت منها إلى باقي القارة الأفريقية .
- مدينة فاس : مدينة فاس في المملكة المغربية (حاليا)، وقد كانت في العصر الإسلامي مركزا فنياً وعمرانيا هاما من مراكز الحضارة العربية الإسلامية في المغرب، وكانت إحدى البوابات الحضارية للدولة الإسلامية على أفريقيا، ومن أهم معالمها جامع القرويين الشهير الذي كان يقوم بالدور العلمي الذي تقوم به الجامعات في وقتنا الحاضر، وازدهرت فيها العلوم، وفيها عاش العالم اليمني عبد الرحمن بن خلدون، الذي ما يزال حتى اليوم يعتبر مؤسسة لعلم الاجتماع، ورائد من رواد فلسفة التاريخ وعلم الحضارات .
ثالثاً : مراكز الحضارة الإسلامية في الأندلس
- مدينة قرطبة : كانت مدينة قرطبة عاصمة للخلافة الأموية في الأندلس ( أسبانيا حاليا) في عهد عبدالرحمن الداخل، وقاعدة عسكرية ومركز إدارية، ومن أهم معالمها: جامع قرطبة الشهير بأعمدته الرخامية المزينة بالذهب والأقواس، وجامعة قرطبة التي نالت شهرة واسعة في جميع أنحاء أوروبا، حيث ظلت الجامعة الوحيدة في كل أوروبا طوال القرن العاشر والحادي عشر الميلادي والمركز الأول للثقافة العربية الإسلامية فيها، وهي المدينة التي ولد فيها الفيلسوف الإسلامي العالمي الشهير ( ابن رشد ) الذي مازالت أوروبا تحتفل سنويا كتاباته الفلسفية حتى اليوم. ومن مظاهر الحضارة في مدينة قرطبة: انتشار القصور البديعة ، والحمامات، والبساتين، كما أنها أضيئت بالقناديل قبل المدن الأوروبية بمئات السنين، وازدهرت فيها صناعة الورق والصوف والحرير والذهب والحديد والسيوف والزجاج والمنسوجات . وقد جعل كل ذلك قرطبة جوهرة في تاج الإسلام وعاصمة الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس من القرن الثامن حتى القرن الخامس عشر الميلادي .
- مدينة أشبيلية : كانت مدينة أشبيلية مركزا آخر للحضارة الإسلامية في الأندلس، وقد عرفت بدورها كعاصمة للموسيقى والفن والأدب والشعر والغناء وصناعة الآلات الموسيقية، وتجارة القطن والزيتون بين الشرق والغرب . كما اشتهرت بمسجدها الجامع، وجامعة إشبيلية التي كانت تعد مركز من مراكز الترجمة من العربية إلى اللاتينية؛ حيث احتضنت المترجم ( يوحنا الأشبيلي ) أشهر المترجمين من العربية إلى اللاتينية، واشتهرت هذه المدينة بحدائقها وبساتينها التي ازدهرت بتطور علوم النبات، وكان ( ابن العوام الأشبيلي ) أشهر عالم نبات في أوروبا طوال فترة الوجود العربي بالأندلس.
- مدينة طليطلة : كانت مدينة طليطلة طوال القرن الثاني عشر والثالث عشر الميلادي مرکز علميا من مراكز الحضارة الإسلامية المؤثرة فيما حولها، وحاضرة من حواضر الثقافة العربية الإسلامية التي ظلت سائدة في الأندلس حتی بعد استرجاع الأسبان لها. ومن أهم المعالم التي اشتهرت بها مدينة طليطلة جامعة طليطلة التي قامت بدور كبير في ترجمة العلوم العربية إلى اللغة اللاتينية، وفي تعليم المترجمين الأوروبيين اللغة العربية قبل اشتغالهم بالترجمة، وفي إرساء العديد من التقاليد الجامعية ومراسيم التخرج من الجامعة التي اقتبستها الجامعات الأوروبية فيما بعد كارتداء الروب الجامعي . وقد اشتهرت طليطلة – أيضا – بجوامعها ومدارسها وقصورها وحماماتها وبضاعاتها من نفائس الدرر والحلي والمعدات الحربية، وبتحصيناتها المعمارية الفريدة، وبمكتباتها العامرة بمئات الآلاف كتب الحكمة والفلسفة ، ومختلف العلوم والآداب والفنون، مما جعلها وبحق مرکزة هامة من مراكز الحضارة الإسلامية في الأندلس لقرون طويلة.
- مدينة غرناطة : كانت غرناطة مركزا آخر للحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، وقد اشتهرت بجمال طبيعتها وروعة قصورها ومساجدها وأحيائها. ومن أهم معالمها جامعة غرناطة التي كانت تدرس علوم الدين، والطب، والعلوم الطبيعية، وقد عرفت تلك الجامعة بدقة وتنظيم مكتباتها، وتطوير مختبراتها في الطب والعلوم الطبية، ومن أهم معالمها قصر الحمراء ومكتبته الضخمة التي كانت تحتوي على ما يزيد على أربعمائة ألف كتاب في مختلف فروع العلم والمعرفة والفن والأدب، وذلك ما كان يفوق عدد الكتب التي تحويها كل مكتبات فرنسا في ذلك الزمن، وقد كان سقوط غرناطة كآخر معقل من معاقل العرب المسلمين في الأندلس عام ١٤٩٢م (۸۹۸ هجري) مثار حسرة في نفو س جميع العرب والمسلمين.