الحكمة من مشروعية الحدود في الإسلام وأنواعها وشروط إقامة الحد
أرسل الله الرسل عليهم الصلاةوالسلام ؛ لهداية البشرية وإخراجهم من الظلمات إلى النور . غير أن القوة البهيمية في الإنسان تطغى على القوة الإنسانية أحياناً ؛ فيحتاج الإنسان إلى قوة تردعه وترده إلى حالته الإنسانية الفطرية ، فوضع الإسلام نظام الحدود لكبح القوة البهيمية في الإنسان وإعلاء إنسانيته، ومن هنا تبرز الحكمة من مشروعية الحدود في الإسلام .
-
معنى الحدود في الإسلام
الحدود لغتاً: جمع حد، وهو الحاجز أو المانع بين شيئين. والحدود في اصطلاح الفقهاء: عقوبة مقدرة شرعاً. وحدود الله: هي محارمه التي نهى عن ارتكابها في كتابه الحكيم، قال تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [سورة البقرة,آيه:٢٢٩]. وقد سميت الحدود حدوداً ؛ لأنها في الغالب تحجز العاصي وتمنعه عن المعصية والتعدي على حرمات الله سبحانه وتعالى.
-
الحكمة من مشروعية الحدود في الإسلام
تتجلى الحكمة من تشريع الحدود في عدد من المعاني أهمها :
١) أنها كفارة وتطهير للعاصي. لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال : (( بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، فمن وفَّى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارته ، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه ، إن شاء غفر له ، وإن شاء عذبه )) [أخرجه البخاري في كتاب الحدود ، باب الحدود كفارة].
٢) تحقق الأمن للناس على دينهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم ، وبدون الحدود لا يأمن المجتمع ، ومن المعلوم أن الله ذكر امتنانه على قريش لأنه وفر لها الطعام والأمن. قال تعالى : ﴿الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾ [سورة قريش , آية : ٤].
٣) حصول رضوان الله وثوابه في الآخرة ؛ لأن تطبيق الحدود طاعة وعبادة لله ، قال تعالى : ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [سورة النور , آية :٥١].
٤) زجر وردع المتهم وأمثاله من الإقدام على الجريمة مرة أخرى.
٥) منع النزوع للأخذ بالثأر ، وإطفاء نار الغيظ لدى المعتدى عليه أو أقاربه ، فإقامة الحد يمنع حب الانتقام ، ويحد من تكرار الجريمة.
-
أنواع الحدود في الإسلام
تولى الشارع بيان جرائم الحدود ولم يدع مجال الاجتهادات البشر فيها ، فعلى من ارتكب جريمة من هذه جرائم الحدود عقوبة محددة قررها الشارع الحكيم وتلك الحدود هي :
١ – حد الزنا ، وهو ثابت بقوله تعالى : ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سورة النور , آية :٢].
٢ – حد القذف، وهو ثابت بقوله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [سورة النور , آية : ٤].
٣ – حد شارب الخمر ، وهو ثابت بقوله ﷺ وفعله ، ((فقد جلد في الخمر بالجريد والنعال ، ثم جلد أبو بكر أربعين ، فلما كان عمر ودنا الناس من الريف والقرى ، قال : ما ترون في جلد الخمر ؟ فقال عبد الرحمن بن عوف : أرى أن تجعلها كأخف الحدود ، قال : فجلد عمر ثمانين )) [أخرجه مسلم في كتاب الحدود ، باب حد الخمر ، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه].
٤ – حد السرقة ، وهو ثابت ، بقوله تعالى : ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [سورة المائدة, آية : ٣٨].
٥ – حد الحرابة (قطع الطريق ) ، وهو ثابت بقوله تعالى : ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [سورة المائدة, آية : ٣٣].
٦ – حد الردة ، وهو ثابت بقوله ﷺ : (( من بدل دينه فاقتلوه )) [أخرجه البخاري في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم ، باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم ، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما].
-
شروط إقامة الحدود في الإسلام
يشترط لإقامة الحد الآتي :
١) أن يكون مرتكب الجريمة بالغا عاقلا ، لحديث : (( رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يشب ، وعن المعتوه حتى يعقل )) [أخرجه الترمذي في كتاب الحدود ، باب ما جاء فيمن لا يجب عليه الحد ، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه].
٢) أن يكون مختارا ، فلا حد على مكره ، لحديث (( إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )) [أخرجه إبن ماجه في كتاب الطلاق ، باب طلاق المكره والناسي ، من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه].
٣) ثبوت فعل الجريمة ، إما بإقرار الشخص نفسه ، أو إثبات ذلك من قبل الشهود.
٤) وجود قاضِ شرعي يناط به تطبيق الحدود .
٥) أن لا تكون هناك شبهة تمنع من إقامة الحد .
-
من له حق إقامة الحدود
الحدود الشرعية تكتسب صفة الحق العام ، وهذا يعني أن تطبيقها وإقامتها ليس من حق فرد من أفراد الأمة ؛ لأن فتح الباب لأفراد الأمة لإقامتها يؤدي إلى الفوضى ؛ لذلك فإن التشريع الإسلامي أناط تطبيق الحدود بالحاكم أو من ينوبه فقد ثبت أن النبي ﷺ أقام الحدود بنفسه كما جاء في حديث ماعز والغامدية ، وأناب غيره كما في حديث : (( واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها )) [أخرجه البخاري في كتاب الحدود ، باب الاعتراف بالزنا ، من حديث ابي هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما].
-
الشفاعة في الحدود
تحرم الشفاعة في الحدود بعد وصولها إلى ولاة الأمر ، لأن الشفاعة فيها ضياع للحقوق وهلاك الأمم ، لقول الرسول ﷺ لأسامة :(( أتشفع في حد من حدود الله ؟ ثم قام فخطب ، فقال : يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد ، وَأيْمُ الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها )) [أخرجه البخاري في كتاب الحدود ، باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان ، من حديث عائشة رضي الله عنها]. ويحرم على ولي الأمر قبول الشفاعة ، لحديث(( من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضار الله )) [أخرجه أبو داود في كتاب الأقضية، باب فيمن يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها ، من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما].