عقوبة شارب الخمر وحكمه وشروط اقامة حد شرب الخمر
كرم الله الإنسان وشرفه بالعقل، ودعا إلى تنميته بالعلم، واستخدامه في إقامة حياته لتكون كلها عبادة لله تعالى ، وجعل التكليف بأحكامه وتشريعاته منوطة بهذا العقل؛ لأنه يستهدف بناء الشخصية المسلمة القوية في جسمها ، ونفسها ، وعقلها ؛ ولذلك نهى الله عن كل ما يفسد هذا العقل أو يعطله عن العمل ، إذ بدون هذا العقل يتحول الإنسان إلى حيوان شرير ، يقتل ويعتدي ويعمل الفواحش والمنكرات وينشر الفساد في الأرض ، ويفشي الأسرار ويخون الأوطان ؛ لذلك حرم الله كل المسكرات لأنها تفسد العقل وتعطله وعدها خمراً ؛ بل هي أم الخبائث وفي هذا المقال نتناول عقوبة شارب الخمر وحكمه، والتدرج في تحريم الخمر، وحد شرب الخمر، ومسقطات حد شارب الخمر، وحكم تعاطي المخدرات.
-
معنى الخمر وحكمه في الاسلام
الخمر : اسم لكل ما خامر العقل وغطاه من أي نوع من الأشربة. وقد شدد الإسلام في تحريم الخمر ؛ لأنها أم الكبائر وتحرم الإنسان التمتع بعقل سليم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [سورة المائدة, آية: ٩٠]. وفي الحديث : (( كل مسكر خمر ، وكل مسكر حرام ، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها ولم يتب ، لم يشربها في الآخرة )) [أخرجة مسلم في كتاب الأشربة ، باب بيان ان كل مسكر خمر ، وأن كل خمر حرام من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما]. ولم يقتصر الأمر عند تحريم الشرب فقط ، بل منع التعامل به تصنيعاً وبيعاً وشراء، ولعن كل مرتبط بعلاقة مباشرة أو غير مباشرة بالخمر ، لحديث :(( لُعِنَتِ الخمر بعينها ، وعاصرها ومعتصرها ، وبائعها ومبتاعها ، وحاملها والمحمول إليه ، وآكل ثمنها ، وشاربها وساقيها )) [أخرجة ابن ماجه في كتاب الأشربة ، باب لعنت الخمر على عشرة أوجه ، من حديث عائشة رضي الله عنها].
-
التدرج في تحريم شرب الخمر
كان العرب في الجاهلية مولعين بشرب الخمر ومدمنين عليها ، وكانت محل تفاخرهم في مجالسهم وأشعارهم.
فلما جاء الإسلام أخذهم بمنهج تربوي حكيم ، فتدرج معهم في تحريمها على ثلاث مراحل ، وبيان ذلك في الآتي :
أولاً : مُنِعُوا من أن يقربوا الصلاة وهم سكارى. وذلك في قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ…﴾ [سورة النساء, آية: ٤٣]. ولما كانت الصلاة فريضة لابد من أدائها، فقد وجب عليهم أن لا يتناولوا الخمر بكميات تسكرهم ليستطيعوا أن يؤدوا فريضة الصلاة خمس مرات فيما بين الفجر والعشاء وهم غير سكارى. ولعل هذا جعلهم يخففون من شرب الخمر طوال النهار ، ودعاهم أن يتساءلوا عن حكم الخمر في ذاتها.
ثانياً : جاء النص الثاني من نصوص النهي يرد على هذا التساؤل ويبين علة النهي. وذلك في قوله تعالى :﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [سورة البقرة, آية: ٢١٩]. ففي تعاطي الخمر والميسر إثم كبير ؛ لما فيها من الأضرار والمفاسد المادية والدينية .
ثالثاً : بعد أن أصبحت النفوس مهيأة لترك الخمر نزل النص القاطع في التحريم. وهو قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ(٩١)﴾ [المائدة].
-
اضرار شرب الخمر
للخمر أضرار عظيمة تصيب الفرد والمجتمع ، فمن مضارها على الفرد أنها تضر بالصحة فتوهن البدن ، وتضر بالخلايا العصبية ، كما تؤدي إلى إهدار الوقت ، وضياع المال. كما أن لها أضراراً اجتماعية ؛ ففي التغييب للعقل تعطيل لقوى الإنسان التي بالإمكان أن يستغلها فيما ينفعه وينفع مجتمعه. كما تتسبب في إضاعة الصلاة وإيقاع العداوة والبغضاء ، والصد عن الواجبات الدينية وعن ذكر الله تعالى. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ(٩١)﴾ [المائدة]. أما العقوبة الأخروية فإنه يحرم التلذذ والتنعم بها في الجنة. لحديث : (( من شرب الخمر في الدنيا ، ثم لم يتب منها ، حرمها في الأخرة )) [أخرجة البخاري في كتاب الأشربة ، من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما]. عقوبة شارب الخمر .
-
حد شارب الخمر
يجب إقامة الحد على شارب الخمر إذا توفرت الشروط ، وذلك بجلده ثمانين جلدة. لحديث أنس رضي الله عنه : أن نبي الله ﷺ : (( جلد في الخمر بالجريد والنعال ، ثم جلد أبو بكر أربعين ، فلما كان عمر ، ودنا الناس من الريف والقرى ، قال : ما ترون في جلد الخمر ؟ فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، أرى أن تجعلها كأخف الحدود ، قال : فجلد عمر ثمانين )) [أخرجة مسلم في كتاب الحدود ، باب الخمر]. وقد حدد قانون العقوبات حد شارب الخمر بثمانين جلدة.
-
شروط اقامة عقوبة شرب الخمر
يشترط لإقامة الحد على شارب الخمر ما يأتي :
١) أن يكون شارب الخمر مكلفاً شرعاً ، فلا يحد المجنون ، ولا الصبي.
٢) أن يكون عالماً بأن ما تناوله سكراً ، فلو تناول خمراً مع جهله بأنها خمر ؛ فإنه يعذر بجهله ، ولا يقام عليه الحد.
٣) أن يكون مختاراً غير مكره.
٤) ألا يضطر إلى شربه ، مثل خوفه على نفسه من الهلاك لعدم وجود الماء.
٥) أن يثبت بأنه شرب الخمر فعلاً وذلك بطريقتين :
أ- إقرار شاربها بأنه شرب الخمر.
ب- شهادة شاهدين عدلين.
-
مسقطات حد شارب الخمر
يسقط حد شرب الخمر في إحدى الحالات الآتية :
١) رجوع الشارب عن إقراره إذا كان الحكم قد بني على الإقرار.
٢) رجوع الشاهدين أو أحدهما عن شهادته.
٣) دعوى الإكراه أو الضرورة المحتملة.
٤) إذا فقد أحد الشهود أهليته.
-
المخدرات وانواعها
المخدرات والمسكرات أنواع متعددة من أشهرها :
الحشيشة ، والأفيون والكوكايين ، والمورفين والهروين ، والبنج .
-
حكم تعاطي المخدرات
المخدرات داء عضال تسبب الشرور والأمراض. ويحرم تعاطيها ، وتهريبها وترويجها ، والتجارة فيها ، عقوبة شارب الخمر ، وللحاكم معاقبة من فعل ذلك بما يحقق المصلحة من قتل ، أو جلد ، أو سجن ، أو غرامة ؛ قطعاً لدابر الشر والفساد ، وحفظاً للأنفس والأموال والأعراض والعقول .