تخريج وشرح حديث تركتكم على المحجة البيضاء

حديث تركتكم على المحجة البيضاء
نص الحديث : عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : وَعَظَنَا رَسُولُ الله ﷺ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ الله إِنَّ هَذِهِ لَمْوعِظَةُ مُوَدِّع ٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا قَالَ : ( تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالكٌ من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بما عرفتم من سُنَّتِي وَسُنَّةِ الخلفاء الرَّاشِدِينَ الْمْهدِيِّينَ. عَضُّوا عليها بِالنَّوَاجِذِ ) [ابن ماجه : كتاب المقدمة, باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين].
شرح حديث تركتكم على المحجة البيضاء
كان رسول الله ﷺ حريصاً على أمته ، لذلك فقد كان يتعهد أصحابه بالنصيحة ، في حاضرهم أو مستقبلهم .
وفي هذا الحديث يذكر رسول الله أصحابه من خلال حديث يؤثر في نفوسهم فتدمع له عيونهم ، ويصل إلى شغاف قلوبهم ، فتخشع وتستجيب. فيبن أن الله سبحانه قد أتم على يديه الرسالة ، واكمل به الدين ، حتى غدا منارة يهتدي بها كل طالب هداية ، وشمسا يبدد ظلمات الكفر والجهل ، ومنهجا يقود السائرين إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا ، وفوزهم برضوان الله ونعيمه في الآخرة ، محذرا كل من تنكب هذا الطريق بأنه قد اختار طريق الهلاك .
كما يخبر الرسول ﷺ ــ وهو الصادق الذي لا ينطق عن الهوى ــ عن أمور غيبية وأحداث مستقبلية ستأتي على الناس في أزمان قادمة تختلف فيها مشاربهم ومناهجهم وتصوراتهم اختلافاً كبيراً عن المنهج الذي جاء به محمد ﷺ ، فتفسد بذلك حياتهم في شتى جوانبها مما يكون سبباً في هلاكهم ، لكن رسول الله ﷺ يبين لهم أن العاصم من الوقوع في هذا الفساد والمنجي لهم من الهلاك هو الاعتصام بمنهج الإسلام الذي جاء به رسول الله وسار على منواله الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم .
إقرأ أيضاً : منهج الإسلام في محاربة الفساد.
تخريج حديث تركتكم على المحجة البيضاء
- مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ : حديثاً مؤثراً في النفوس دمعت لسماعه عيوننا وخشعت له قلوبنا.
- تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها : أرشدتكم إلى دين الإسلام القائم على الحجة والبرهان الذي لا يداخله شك. و لفظُ ” المحجة البيضاء ” الوارِد في الحديث هي جادة الطريق, والمحجة مأخوذة من الحج أي القصد والميم زائدة . أيضاً المحجة : تعني منهج أو طريق مستقيم ، وهي طريقة الرسول ﷺ وأصحابهِ الأخيار وسلف الأُمة، والتي يجب على الخلف أن يسلكوها وأن يسيروا معها اقتدًا بالقدوة العُظمى رسول الله ﷺ وبأصحابهِ وبأئمة المُسلمين، قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [سورة الأنعام, آية: ١٥٣]. فصراطُ الله واحِد، وأما ما عداهُ فهي طرقٌ كثيرة، وعلى كُلِ طريقٍ منها شيطان، لذلك يجب علينا الحذر من الطرق المتفرقه والمشبوهه والحرص على السير وفق الطريقه التي بينها لنا رسولنا الأعظم صلوات الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
- لا يزيغ عنها بعدي إلا هالكٌ : لا يميل عنه البشر إلا كان بعدهم عنه سبباً في هلاكهم. وقال المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير: “ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا” فيه من معجزاته الإخبار بما سيكون بعده من كثرة الاختلاف وغلبة المنكر، وقد كان عالما به جملة وتفصيلا لما صح أنه كشف له عما يكون إلى أن يدخل أهل الجنة والنار منازلهم، ولم يكن يظهره لأحد بل كان ينذر منه إجمالا ثم يلقي بعض التفصيل إلى بعض الآحاد.
- فعليكم بما عرفتم من سنتي : الزموا التمسك بطريقتي وسيرتي القديمة بما أصلته لكم من الأحكام الاعتقادية والعملية الواجبة والمندوبة، وتفسير السنة بما طلب طلبا غير لازم اصطلاح حادث قصد به تمييزها عن الفرض.
- وسنة الخلفاء الراشدين المهديين : أي طريقتهم والمراد بالخلفاء الأربعة والحسن رضي الله عنهم فإن ما عرف عن هؤلاء أو بعضهم أولى بالاتباع من بقية الصحابة.
- عَضُّوا عليها بِالنَّوَاجِذِ : تمسكوا بها بجميع الفم وهذا كناية عن شدة التمسك ولزوم الاتباع لهم كمن يمسك شيئاً ثميناً بأسنانه من شدة الحرص عليه، والنواجذ الأضراس والضواحك والأنياب أو غيرها.