الدينالفقة الاسلامي

ما يثبت به حد القذف في الاسلام وحكمه وشروط اقامته ومسقطاته

حرص الإسلام على حماية أعراض الناس، والمحافظة على سمعتهم ، وصيانة كرامتهم. لهذا شرعت عقوبة القذف في الشريعة على أساس محاربة الكذب والافتراء على الآخرين ، وحفاظاً على المجتمع من أن تستشري فيه أقوال السوء والتهم المنفرة. وهذه العقوبة تمنع ألسنة السوء من الخوض في أعراض الناس ، وتسد الأبواب عليهم للنيل من المؤمنين الأطهار.

  • مفهوم القذف في الاسلام

القذف : هو اتهام شخص لآخر بالزنى وعجزه عن إثبات ما رماه به. وقد يكون القذف تصريحاً بلفظ لا يحتمل سوى القذف ، مثل : يا زاني أو يا زانية ، كما قد يكون تلميحاً بألفاظ تحتمل القذف وغيره ، مثل : يا فاجر ، يا خبيثة أو يا خبيث. فهذه الألفاظ تحتمل القذف وغيره فإن قصد به القذف أقيم علية الحد ، وإن أراد غير ذلك فلا يقام عليه الحد ، وللقاضي أن يعزره. وليس القذف خاصاً بالنساء دون الرجال، ولكنّه عام للجميع، فكل من أتهم غيره بالزنى دون أن يثبت ما رماه به فهو قاذف، سواء كان القاذف أو المقذوف رجلاً أم امرأة.

  • حكم القذف في الاسلام

القذف محرم في الإسلام ، وهو من كبائر الذنوب قال تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [سورة النور, آية: ٢٣]. وفي الحديث: ((اجتنبوا السبع الموبقات ، وذكر منها : قذف المحصنات المؤمنات الغافلات)) [أخرجه البخاري في كتاب الحدود ، باب رمي المحصنات ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].

  • شروط اقامة حد القذف في الاسلام 

للقذف شروط منها ما يتعلق بالقاذف ومنها ما يتعلق بالمقذوف :

أ- الشروط المتعلقة بالقاذف وهي :

١) أن يكون بالغاً مختارا عاقلا ، فلا عبرة بكلام الصبي أو المكره أو المجنون.

٢) أن يعجز عن الإتيان ببينة على دعواه.

٣) أن يرفض الملاعنة إن كان زوجاً.

ب- الشروط المتعلقة بالمقذوف وهي :

١) أن يكون مسلما بالغا عاقلا عفيفا.

٢) أن يطالب بإقامة الحد على القاذف.

٣) أن يكون المقذوف معلوما ؛ فإن كان مجهولا لا يجب الحد ، كأن يقول في مجموعة من الناس ليس فيكم زان إلا واحداً ، فالمقذوف هنا مجهول غير معين.

٤) الإسلام ، فلو كان المقذوف من غير المسلمين لا يجب الحد على القاذف.

  • عقوبة القذف في الاسلام

أولاً : العقوبة الدنيوية :

إذا ثبت على شخص بأنه قذف شخصاً آخر بشهادة رجلين عدلين، فإن عقوبتة تتمثل في الأمور الآتية :
١) الحدّ الشرعي وهي جلده ثمانين جلدة، وتسمى بالعقوبة الحسية.

٢) رد شهادته ، ولا تقبل له شهادة أبداً لأي أمر من الأمور، لأنه بفعلته تلك صار متهماً بالكذب موصوفاً بالفسق.

٣) الحكم بفسقه ، فيُحكم عليه بأنه مجروح العدالة. قال تعالى : ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [سورة النور, آية: ٤].

ثانياً : العقوبة في الآخرة :

أما عقوبة القاذف في الآخرة ، فقد بينها قول الله تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(٢٣) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ(٢٥)﴾ [سورة النور]. ما لم يرجع ويتب إلى الله ، فإذا تاب إلى الله وندم على ما حصل منه فإن الله تعالى يغفر الذنوب جميعا، وبتوبته يرفع عنه حكم الفسق ورد الشهادة ، ويعود إلى المجتمع فرداً صالحاً يتمتع بجميع الحقوق.

  • قذف الزوج زوجته بالزنى

عرفنا حكم القذف وما يترتب عليه ، فإذا كان القاذف هو الزوج كأن يتهم زوجته بالزنى أو ينفي أنها حملت منه ، ففي هذه الحالة يحتمل الآتي :

١) تراجع الزوج في دعواه ، وإقراره بأنه اتهمها كذباً فيقام عليه حد القذف.

٢) اعتراف الزوجة بما ادعاه زوجها عليها ، أو أثبت الزوج ذلك بأربعة شهداء، فيقام عليها حد الزنى.

٣) إصرار الزوج على رمي زوجته بالزنى، وليس معه أربعة شهود، مع إنكار الزوجة ذلك ، ففي هذه الحالة شرع الله لهما اللعان. قال تعالى : ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ(٦) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ(٧) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ(٨) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ(٩)﴾ [النور]. فإذا تلاعن الزوجان وقعت الفرقة بينهما على سبيل التأبيد ، فلا تحل له حتى ولو تزوجت من غيره وطلقت ، ولا يرتفع التحريم بينهما بحال. لحديث: (( عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً لاعن إمراته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما )) [أخرجه أبو داؤود، كتاب النكاح ، باب في اللعان من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه].

  • مسقطات الحد على القاذف

يسقط حد القذف في الحالات الآتية :

١) تراجع الشاهدين أو أحدهما عن الشهادة قبل تنفيذ حد القذف.

٢) إذا فقد أحد الشهود أهليته قبل تنفيذ حد القذف كأن يصاب بالجنون.

٣) إذا جاء القاذف بأربعة شهود بعد الحكم بحد القذف.

٤) إذا أقر المقذوف بجزيمة الزنا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى