الحديث النبويالدين

شرح حديث كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته (المسئولية في الإسلام)

حديث كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته
حديث كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته

حديث كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته

نص الحديث: عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) [البخاري : كتاب الجمعة, باب الجمعة في القرى والمدن, عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما].

معاني ألفاظ الحديث

  • كلكم راع : كل فرد في الأمة مكلف بمهام يجب عليه القيام بها. والراعي هو من وُكِلَ إليه تدبير أمر معين وسياسته وحفظه ورعايته ، وهو مأخوذ من الرّعْي وهو الحفظ وعدم التفريط.
  • وكلكم مسئول عن رعيته : كل إنسان محاسب على ما كُلف به أمام شرع الله في الدنيا، وأمام الله تعالى في الآخرة. والرعية كل ما يشمله حفظ الراعي ونظره، فالراعي مطالب بالعدل فيما يقع تحت امرته ، والقيام بمصالحه في دينه ودنياه وكل ما يتعلق به.

شرح حديث كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته

يبين لنا رسول الله ﷺ في هذا الحديث بقوله: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، أن كل من ولي أمراً من أمور الأمة فهو مكلف بأن يقوم به خير قيام ، وهو مسئول عنه ، وتقع عليه وحده تبعات ما أسند إليه من مهام أمام الله تعالى وأمام الناس.

ثم يضرب الرسول ﷺ أمثلة بأشخاص أوكل إليهم القيام بأعمال ومهام لا بد لهم من القيام بها مستشعرين رقابة الله عليهم ، ومسئوليتهم أمام الله في أدائها ، ومن هؤلاء : من كانت له الولاية العامة في المسلمين كالرئيس والملك والأمير ، ورب البيت في أهله ، والمرأة في بيت الزوجية ، والعامل أو الموظف الذي يعمل لدى آخر.

ويختتم الحديث بالتأكيد على القضية التي بدأ بها وهي أن كل إنسان قد عهد الله إليه القيام بمهمة فهو مسئول عنها أياً كان موقعه ومكانته الاجتماعية أو العلمية أو الاقتصادية أو السياسية، قال تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾ [سورة الصافات, آية: ٢٤].

وتعني المسئولية أن يقوم كل مكلف بالأعمال والمهام التي تقتضيها المكانة التي يتبوؤها ، فعلى سبيل المثال ؛ رئاسة الدولة مكانة ، والأبوة مكانة ، والأمومة مكانة ، والتدريس مكانة ، وكل مكانة مما سبق ذكره تقتضي ممن يتولاها أن يقوم بالأعمال والمهام التي تتطلبها ، ويعد الإخلال أو التقصير في أدائها مسئولية تقتضي محاسبته عليه ومن خصائص هذه المسئولية ما يأتي :

  1. عموم المسئولية : فالمسئولية عامة تشمل كل مكلف أسندت إليه وظيفة أو كلف بمهمة أو أداء عمل سواء أكان العمل صغيراً أم كبيراً.
  2. خصوص التبعة : فتبعات كل عمل إنما تقع على عاتق من أوكل إليه القيام به ، فكما المعني الأول بالثواب إن أحسن في أدائه ، فلا يتحمل غيره معه وزر التقصير فيه ، قال تعالى : ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۗ….﴾ [سورة فاطر, آية: ١٨].
  3. تقتضي مهاماً وسلطات : فالمسئولية لها طرفان ، أولهما المهام أو الأعمال التي أسند إلي الفرد القيام بها ، وثانيهما السلطات الممنوحة له لتسهيل نجاحه في تحقيقها. وترتبط المسئولية بالمكانة ؛ حيث تتنوع المسؤوليات بحسب موقع الفرد والمكانة التي يتبوأها في المجتمع ، ويترتب عليها من الجزاء ما يتناسب مع هذه المكانة ثواباً وعقاباً ، فمسؤولية المدير تختلف عن مسؤولية الوزير ، ومسؤولية الوزير تختلف عن مسؤولية ولي أمر الأمة ، وكلما كانت المكانة التي يتبوأها أكبر كانت مسئوليته عنها أعظم.

مسئولية ولي أمر الأمة (الأمير)

نظم الإسلام المجتمع الإسلامي بما يحقق له حياة الرخاء والأمن ، ومن مقتضيات هذا التنظيم وجود رجل يتولى قيادة الأمة ، ويتحمل مسؤولية أمانة رعاية شئونها ، ولتيسير نجاحه في مهمته العظيمة أوجب الله تعالى على الأمة طاعته في غير معصية ، وبذل النصيحة له ، ومعاونته على الحق ، وأوجب عليه أموراً وحمله مسؤولية القيام بها ومن أهم هذه الأمور ما يأتي :

  • حفظ الدين : يمثل الدين المكون الأساس للأمة ، فمنه تشتق الأمة قيمها وأخلاقها ، وعلى مبادئه تلتقي في أهدافها وتوجهاتها ، وبهدي أحكامه تسير في حياتها. ونتيجة لهذه الأهمية للدين تصبح أهم واجبات المسؤول الأول في الدولة تمكين الدين في واقع الحياة بحيث يصبح الموجه لتصورات الناس وأخلاقهم ، فيتصدى لكل ما يهدد الأمة في عقيدتها، وقيمها ، ويحافظ على أعراضها ويقضي على الأمراض الاجتماعية من الأفكار السيئة والأخلاق الدنيئة ، ويعمل جاهداً في القضاء على شرورها.
  • إقامة العدل بين الناس : يحب على ولي أمر الدولة إقامة العدل بين الناس، وكفالة حرياتهم ، والرفق بهم ، وبث روح المساواة بينهم ، والانتصار للمظلوم مهما كان ضعفه والأخذ على يد الظالم أيا كان موقعه وسلطانه.
  • تطبيق الشورى : فلا ينفرد برأيه ، فالمشكلات مشكلات الأمة كلها ، ولا بد من أن يشركها في صنع القرار من خلال المجالس التي أوجدها المجتمع لذلك .
  • المحافظة على مصالح الأمة : فيصون لها حقوقها ، وينمي مصادر ثرواتها ، ويحارب الفساد والمفسدين ، ويعمل على إيجاد فرص عمل لكل فرد قادر عليه ، ويسعى لإنشاء المدارس والجامعات ومراكز البحوث وإقامة المستشفيات وشق الطرق ، ويحرص على كل ما ينفع الأمة ويحقق لها العزة والتمكين. ولقد فهم الرعيل الأول من المسلمين الأولين المسؤولية بأنها أمانة تقتضي منهم القيام بحق أدائها ، من عناية بشؤون رعيتهم والاهتمام بهم ، وتفان في سبيل إسعادهم وتوفير الراحة والطمأنينة لمجتمعهم ، ولقد بلغ من حرص عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول: (والله لو عثرت بغلة في أرض العراق لوجدتني مسئولاً عنها أمام الله لِمَ لَمْ تصلح لها الطريق يا عمر؟).

مسئولية الرجل في بيته

عندما ينشئ الرجل أسرة فإنه يتحمل مسؤولية رعايتها ، ومن أهم ما يجب عليه ما يأتي :

  • أن يسعى لإسعادهم ، فيوفر لهم السكن الملائم ، ويطعمهم ويكسوهم من غير تقتير ولا إسراف ، ويسعى لتعليمهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم حتى لا يكونوا عالة على المجتمع ، ويوجههم إلى المجالات العلمية والعملية التي يمكن أن تساعدهم في مستقبل حياتهم ، قال رسول الله ﷺ : ( كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت ) [أخرجه أبو داود, كتاب الزكاة, باب في صلة الرحم, عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه].
  • يربيهم على أخلاق الإسلام ، حتى يشبوا متمسكين بأحكامه ، معتصمين بمبادئه وقيمة ، ويكون لهم في ذلك كله القدوة الحسنة ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ…﴾ [سورة التحريم, آية: ٦].

مسئولية المرأة في بيت زوجها

المرأة في بيت الزوجية هي ربة البيت والمسئولة عن تدبير شئونه ، وتتعلق بهذه المسئولية واجبات لابد من أدائها ومن أهمها :

  • أداء حقوق الزوج : ومن حقوق الزوج الحرص على إسعاده بطاعته ومعاونته في أعباء الحياة ، والمحافظة على ماله ، وان تحفظه في غيبته ، وتصون كرامته ، وتحفظ له شرفه ومكانته ، قال رسول الله ﷺ : ( ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء ؟ المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته ) [أبو داود : كتاب الزكاة, باب في حقوق المال, عن ابن عباس رضي الله عنه].
  • رعاية الأبناء : ويكون أداء هذا الدور بمساعدة الزوج في تعليم الأبناء وإعدادهم إعداداً سليماً يساعدهم على أن يعيشوا حياة بعيدة عن الانحراف والفساد ، وذلك بحسن تربيتهم على قيم الإسلام وأخلاقه السامية.

مسئولية العبد في مال سيده

العبد هو الأجير أو العامل الذي أوكل إليه القيام بعمل لدى شخص ، كالطباخ والسائق والحارس ومربي الأطفال ، وقد أمر الإسلام بالإحسان إليهم بحسن معاشرتهم وإعطائهم أجورهم وعدم تكليفهم ما لا يطيقون، ومن جهة ثانية فقد حث الإسلام الخادم على حسن القيام بما أوكل إليه من أعمال ، ومن ذلك ما يأتي :

  • أن يكون مخلصاً في عمله ، فيحافظ على مال سيده كما يحافظ على ماله ، لأن من هذا المال طعامه وشرابه وملبسه وأجره.
  • أن يكون أميناً على كل ما أئتمنه سيده عليه ، فيحافظ على أهله وأبنائه ، ويحرص عليهم كحرصه على أهله وأبنائه هو ، ويحافظ على كرامتهم ، وأعراضهم.

المسئولية في الإسلام

المسئولية في الإسلام ليست مقصورة على هؤلاء الذين خصهم الحديث بالذكر ، بل هي تشمل كل الناس ، كلاً في حدود ما كلف به ، فكل ذي عمل هو راع وله إمرته وهو مسئول عنهم ، فالوزير راعٍ ومسئول عن رعيته الذين يقعون تحت إمرته ، والمدرس راعٍ في مدرسته ومسئول عن طلابه لأنهم رعيته ، والطبيب راعٍ في مشفاه ، ومرضاه هم رعيته ؛ وهو مسئول عنهم ، والقائد راعٍ وجنوده هم رعيته ؛ وهو مسئول عنهم ، والجندي راعٍ ومسئول عن رعيته ، والمهندس راعٍ ومسئول عن رعيته ، والتاجر راعٍ ومسئول عن رعيته ، والموظف راعٍ ومسئول عن رعيته .

وكل من كانت له ولاية على شعب ، أو أسرة أو إخوة ، فهو مطالب بالعدل فيهم والقيام بمصالحهم فإن وفى وقام بحق الرعاية نال الثناء في الدنيا والجزاء الأوفى في الآخرة ، وإن أخل وقصر في أداء الحقوق التي استودعه الله إياها واستأمنه على رعايتها ؛ كان من حق كل فرد من الرعية أن يحاسبه على التفريط فيها ، وهو مسئول بعد ذلك أمام الله تعالى في الآخرة.

إن الإسلام يربي اتباعه على أن يكونوا أفرادا صالحين ، يقدرون المسئولية ، ويحرصون على أن يؤدي كل واحد منهم عمله بإخلاص وأمانة ونزاهة ، وجد ومثابرة ، قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [سورة التوبة, آية: ١٠٥].

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى