شرح وتخريج حديث ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان

حديث ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان:
نص الحديث : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : ( ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوةَ الإِيمان : أن يكون اللهُ ورسولُه أَحبَّ إليه مما سُواهُما ، وأن يُحبَّ المرءَ لا يُحبُّهُ إِلا لله ، وأن يَكرَه أن يعود في الكفر كما يَكرهُ أن يقذفَ في النار ).
تخريج حديث ثلاث من كن فيه وجد حلاوة:
حديث ثلاث من كن فيه وجد حلاوة: أخرجه البخاري, كتاب الإيمان, باب حلاوة الإيمان، وأخرجه مسلم في صحيحه, رقم الحديث “٩٤”، وأخرجه النسائي في الصغرى, رقم الحديث” ٤٩٩٩”، وأخرجه ابن حبان في صحيحه, رقم الحديث “٢٣٨”، وأخرجه الترمذي في جامعه, رقم الحديث “٢٦٦٩”، وأخرجه ابن ماجه في سننه, رقم الحديث “٤٠٦٥”، وأخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده, رقم الحديث “٤١٦٩”، وأخرجه الدارمي في سننه, رقم الحديث “٢٧٠٩”، وأخرجه البيهقي في السنن الكبير, رقم الحديث “١٩٣٦٥”، وأخرجه الطبراني في الكبير, رقم الحديث “٧٢٣”.[1]
شرح حديث ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان:
يبين الرسول الكريم ﷺ في هذا الحديث الشريف أن للإيمان حلاوة ولذة ، وأنه كالثمرة كلما اكتمل نموها ونضوجها زادت حلاوتها ، مشيراً إلى أن الشعور بتلك اللذة منزلة لا ينالها الإنسان إلا عندما يرتقي في إيمانه بالله والرسول إلى درجة المحبة الخالصة ، ويقيم علاقته في المجتمع على أساس الخير والفضيلة ، ويطمئن إلى صدق ما یؤمن به من عقيدة وفكر ، ومايمضي عليه من عبادة وسلوك. وفيما يلي شرح لحديث ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان:
- ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوةَ الإِيمان : قول رسول الله ﷺ : (ثلاث) هو مبتدأ والجملة الخبر ، وجاز الابتداء بالنكرة لأن التنوين عوض المضاف إليه ، فالتقدير ثلاث خصال ، ويحتمل في إعرابه غير ذلك [2]. ومعنى ” ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوةَ الإِيمان ” أي شعر وأحس بأثر السعادة والطمأنينة التي جلبها له الإيمان، فحلاوةَ الإِيمان موجودة في المؤمن بوجود الإِيمان، لكنه لا يشعر بها ولا يدركها ولا يستلذها إِلاَّ من كانت موجودة فيه هذه الخصال الثلاث. أيضاً تعني “حلاوةَ الإِيمان” الاستلذاذ في الطاعات، وتحمل مشاق الدين، وإيثار ذلك على أعراض الدنيا ومتاعها، ومحبة الله للعبد تحصل عند الإلتزام بطاعته واجتناب مخالفته، وكذلك رسول الله ﷺ.
- أن يكون اللهُ ورسولُه أَحبَّ إليه مما سُواهُما : أي لا يجد من يستحق الولاء والطاعة وطلب الرضا منه غير الله والرسول؛ وتعني “أَحبَّ إليه مما سُواهُما” أنه لا يوجد في قلب المؤمن أحد يحبه أكثر من لله ولرسوله، ومن ذلك نفس الإنسان، لأنها أغلى ما يكون عنده. لذلك نلاحظ قوله ﷺ في الحديث “مما سُواهُما” ولم يقل “ممن” ليعم من يعقل ومن لا يعقل، كما أن فيه دليل على أنه لا بأس بهذه التثنية.
- أن يُحبَّ المرءَ لا يُحبُّهُ إِلا لله: أي يُقبل على محبة المؤمنين من أجل الله بعيداً عن المصالح والمجاملات.
- وأن يَكرَه أن يعود في الكفر كما يَكرهُ أن يقذفَ في النار: تعني أن المؤمن يكره العودة إلى الكفر بعد أن ذاق حلاوة الإيمان؛ لأن الكفر أصبح بالنسبة له هلاك محقق ، کالسقوط إلى الجحيم، فكيف يحب العودة إلى شك بعد اليقين وإلى الهلكة بعد النجاة ؟! وفي هذه الخصلة بيان لعقيدة الولاء والبراء، بالتبرؤ من الكفر وأهله، وحب الإيمان وأهله قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْناءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة, ٢٢].[3]
ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان:
هناك ثلاث خصال إذا وجدت في المؤمن أحس بأثر السعادة والطمأنينة والتلذذ التي جلبتها له هذه الخصال، فحلاوةَ الإِيمان موجودة أصلاً في المؤمن مع وجود الإِيمان، لكنه لا يحس بها ولا يستلذها إِلاَّ من كانت موجودة عنده هذه الخصال الثلاث؛ وهذا ما سنبينه فيما يأتي :
-
الخصلة الأولى: حب الله عز وجل وحب الرسول ﷺ :
أولاً ــ حب الله عز وجل:
يقصد بحب الله هنا الشعور بإجلاله و تعظيمه، والتعبير عن ذلك بحسن الاستجابة والامتثال. وذلك نتيجة الإيمان وثمرة اليقين ، فإذا ترسخ حب الله في قلب المؤمن وتعمقت جذوره في حياته، فإنه سيجعل رضا الله عز وجل الغاية لكل شيء، ويبادر إلى الطاعات برغبة لايشوبها سأم ولا تذمر ؛ لأن عنوان المحبة الصادقة حسن الاستجابة والالتزام، قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران, ٣١]، وأي رتبة أعلى أو مقام أرفع من أن ينال الإنسان محبة ربه ويفوز بمغفرة خالقه.
وينشأ حب الله في نفس الإنسان حينما يثير قواه الروحية والعقلية بالتفكير في عظمته المطلقة ، ورحمته الواسعة، ونعمه التي لاتحصى ، فقد جاء عن النبي ﷺ أنه قال : (أحبوا الله لما يغذوكم من نعمة ) [أخرجه الترمذي]، ومن بواعث حب الله في نفس الإنسان أن يتذكر أصول النعم التي منَّ الله بها عليه ومنها :
- نعمة الخلق : فالله عز وجل هو المتفضل بخلق الإنسان وخلق الكون نعمة منه وتفضلاً ولولاه لما كنا شيئاً قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ ۖ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [غافر, ٦٧]، وهذه أم النعم وأساس العبودية لله تعالی.
- ونعمة التمكين : وذلك أن الله تعالى جعل الإنسان قابلاً للحياة ، ومكنه من أسبابها، حيث سخر له كثير مما في هذا الكون، فخلق الأرض وبسط سهولها، وأرسى جبالها، وشق بحارها وأنهارها، وأودع فيها جميع أسباب الحياة من مأكول و مشروب وملبوس ومسکون و مرکوب، ونحو ذلك مما يحتاجه الإنسان ، وأودع جسد الإنسان من أسرار الخلق وعجائب القدرة والحكمة ما عجزت الدنيا عن معرفتها عن عدها وصدق الله القائل: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ(32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ(33) وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)﴾ [إبراهيم].
- أيضاً نعمة الهداية : بعد أن خلق الله الإنسان ومکنه ، جعل له إرادة تتحكم في تصرفاته ، وقدرة تمكنه من تحقيق مراده، ومنحه العقل والسمع والبصر والإحساس؛ ليكون قادراً على التعلم والتمييز والاختيار ، فيعبد الله ويشكره كما ينبغي لجلاله، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[النحل, ٧٨]. ثم بعث الأنبياء وأنزل الكتب لهداية الإنسان وتعليمه وتهذيبه، وإخراجه من الضلال إلى نور الهداية ، قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحدید, ٢٥]، ومن وراء ذلك وَعدُهُ إن آمن واستقام بجنات الخلد ونعيم فيها مقيم، فأي كرم أعظم، وأي رحمة أوسع من هذا ؟!
ثانياً ــ حب الرسول ﷺ :
حب الرسول ﷺ ، تابع لحب الله وجزء لا ينفصل عنه؛ لأن الرسول منَّهُ الله على الخلق، وطريق هدايتهم ، قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ [آل عمران,١٦٤]، وهو الذي تحمل ألوان المتاعب والمعاناة في سبيل تبليغ أمر الله ونهيه، فقد كان المشركون يواجهون دعوته بالفضاضة والغلظة، فيقابل ذلك باللين والرحمة، ويسعون لإيذائه والقضاء عليه، فيدعو لهم بالمغفرة ويسأل الله لهم الهداية شفقة بهم وعطفا عليهم، حتى جاء في كتب السيرة أن رسول الله أصيب يوم أحد، فكان يمسح الدم عن وجهه ويقول : (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) لهذا وصفه الله بقوله: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [التوبة, ١٢٨]. ومحبة الرسول ﷺ لا تقتصر على الشعور بالتقدير والاحترام، بل لا بد أن يصحب ذلك التزام بما جاء به عن الله عز وجل، ومراعاة لآدابه وهديه ، ودفاع عن رسالته ، واحترام لسنته ، قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران,٣١].
الخصلة الثانية: حب المؤمنين في الله:
بعد التأكيد على أهمية ارتباط الإنسان بمصدر الهداية (الله والرسول)، بين الحديث الشريف أهمية قيام العلاقة بين أفراد المجتمع المؤمن على المحبة الإيمانية الصادقة لما لذلك من أثر في سعادة الفرد وفلاح المجتمع، فبالأخوة والألفة يسود التعاون، وينتشر الأمن، وتختفي النزاعات؛ مما يمكن الأمة من الارتقاء والتقدم، ويحفظ لها هیبتها ومكانتها، ويجعلها عصية على أعدائها وتؤكد الأحاديث الواردة في هذا الجانب أن المحبة التي يريدها الإسلام هي التي تكون من أجل الله تعالى فلا يشوبها نفاق، ولا تغلب عليها أنانية؛ لأن هذا النوع من المحبة مضمون الاستمرار مأمون العواقب، فلا ينتهي لتغير زمان أو مكان، ولا ينتج عنه تعاون على إثم أو عدوان أما المحبة القائمة على أساس المصلحة والأنانية فقط، فسرعان ما تنتهي أو تتبدل تبعا للمصلحة، بل تنقلب أحياناً إلى عداوة شديدة وتزاع مرير، وأحياناً تكون سبباً من أسباب الضلالة والانحراف ، وصدق الله القائل في كتابه الكريم : ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف,٦٧].
الخصلة الثالثة ــ كراهية العودة إلى الكفر:
بقدر محبة الإنسان لنور الهداية وحلاوة الإيمان ، یکون كرهه لظلمات الضلال ومرارة الجحود، فالمؤمن في ظل الإيمان يشعر بأنس الطاعه وطمأنينة اليقين، والكافر في ظل الكفر تحيط به وحشية التمرد، وتغلب عليه هموم التخبط والضياع، قال تعالى : ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُم﴾ [محمد,١٤]. والمؤمن بعد أن ذاق حلاوة الإيمان يكره العودة إلى الكفر؛ لأنه بالنسبة له هلاك محقق، کالسقوط إلى الجحيم، فكيف يحب العودة إلى شك بعد اليقين وإلى الظلمة بعد النور، وإلى السخط بعد الرضا، وإلى الهلكة بعد النجاة ؟! قال تعالى : ﴿أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَن بَاءَ بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [آل عمران,١٦٢].
المراجع: