حال العرب قبل البعثة
حال العرب قبل البعثة
كيف كان حال العرب قبل البعثة ؟ كان العرب قبل البعثة النبوية قسمين هما:
- العرب القحطانيون وهم عرب الجنوب الذين ينتمون إلى نبي الله هود عليه السلام.
- العرب العدنانيون وهم عرب الشمال الذين ينتمون إلى نبي الله إسماعیل بن إبراهيم عليهما السلام.
وكان معظم العرب يدينون بالملة الحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام التي حمل لواءها من بعده ابنه إسماعيل عليه السلام . أما الحكم فقد كانت بلاد العرب عموماً خلال الفترة التي سبقت البعثة النبوية مسرحاً للاضطرابات والفوضى، ومرکزاً من مراكز التنافس الفارسي والرومي. وفي هذا المقال نستعرض لكم حال العرب قبل البعثة حيث سنتناول بالتفصيل الحالة الدينية والحالة السياسية في بلاد العرب قبل البعثة.
إقرأ أيضاً: حال العالم قبل البعثة.
الحالة الدينية
كيف كان حال العرب قبل البعثة من الناحية الدينيّة؟ كان الغالب على معظم الجزيرة العربية قبل البعثة النبوية عبادة الأصنام والأوثان، إلى جانب ديانة أهل الكتاب وبقايا من آثار الملة الحنيفية، وإليك تعريفاً مختصراً لتلك التوجهات:
- الحنيفية
تنسب الملة الحنيفية إلى أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وحمل لواءها من بعده ابنه إسماعيل عليه السلام، وتوارثها أجداد نبينا محمد ﷺ والحنفاء من العرب، وهي ديانة تؤمن بالله إلهاً واحداً، كما تؤكد على الإيمان بالبعث وباليوم الآخر، وكان الحنفاء يعتقدون بأن رسولاً من ذرية إسماعيل سيبعث في آخر الزمان يخرح الله به الناس من الظلمات إلى النور. ومع تقادم الزمن وقلة الدعاة إلى هذه الملة ضعف أمر الدين الإلهي في نفوس الناس، وضعف إيمانهم بالله تعالى، فكانوا كما قال الله تعالى: ﴿وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ…﴾ [المائدة,آية:١٣].
- الوثنية
انتشرت الأصنام في بلاد العرب، حتى أصبح في معظم بيوتهم أصنام تعبد من دون الله؛ وكان الرجل إذا أراد السفر، أو قدم منه تمَسَّح بالصنم. وظهرت في بلاد العرب عبادة النجوم والكواكب والأشجار .. فعبدوا «الشِّعْرَى» وهو کوکب نَيِّرٌ يطلع عند شدة الحر [ المعجم الوسيط]، كما عبدوا الشمس والقمر.
وتسربت المجوسية في المناطق العربية المتاخمة لفارس فعبدوا النار، وتوجه بعضهم لعبادة الأرواح الخيِّرة، والأرواح الشريرة ، فعبدوا الملائكة وسموهم بنات الله، كما عبدوا الجن، وزعموا أن بينهم وبين الله نسباً وصهراً، وقد ذكر الله ذلك في القرآن الكريم منكراً ما هم عليه من الضلال قال تعالى: ﴿أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ{153} مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ{154} أَفَلَا تَذَكَّرُونَ {155} أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ{156} فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ{157} وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا ۚ وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ{158}﴾ [سورة الصافات]. إلى غير ذلك من الأعمال المرتبطة بالشرك، وعبادة الأصنام، والابتعاد عن الله الذي خلقهم وأوجدهم، مع إصرارهم على أن ما يقومون به لبس إلا للتقرب إلى الله،كما قال تعالى عنهم: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ…﴾ [الزمر,آية:٣].
- ديانة أهل الكتاب
أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، وقد تقدم الكلام عنهم، وفيما يلي نتحدث عن أماكن تواجد هاتين الديانتين في بلاد العرب.
أما اليهودية فقد دخلت بلاد العرب فكانت لها مراكز في اليمن، والمدينة ، وخيبر، وفَدَك، و تيماء، ولكن اليهودية في عموم حالها ظلت في عزلة تامة عن العرب بسبب طبيعتهم الانغلاقية، وسوء معاملتهم وإصرارهم على المكر والخديعة إلى جانب نظرتهم إلى غيرهم نظرة احتقار وازدراء.
وأما النصرانية فكان لها مراكز في “الحِيْرَة” و “الشام” ، وفي أطراف الجزيرة في “طَيّ” و “تَغْلِب” ، ووصلت إلى اليمن، وكان مركزها الأكبر في “نجران” ، وبنيت كنائس في “عدن” و “ظفار” ، و كان الرومان يحرصون على نشر الديانة النصرانية فقد كانوا يتكفلون ببناء الأديرة والكنائس، والكاتِدْرائيات التي هي عبارة عن مجمع يضم كنيسة ومساكن للرهان والقساوسة، ومراكز تعليمية، ومراكز صحية، ويتولون دفع نفقات تشغيلها، ومع ذلك لم يكتب للنصرانية التوسع والانتشار في الجزيرة العربية، وقد يكون مرد ذلك إلى طبيعة القبائل العربية التي كانت تتخوف من النفوذ الروماني، والسيطرة الحبشية، فالأحباش مارسوا قسوة شديدة في إدارة حكمهم حين دخلوا إلى اليمن.
- الحالة السياسية
كيف كان حال العرب قبل البعثة من الناحية السياسية؟ کان الحكم في جزيرة العرب قبل البعثة ينقسم إلى قسمين؛ ملوك متوجين وهم ملوك اليمن، وملوك مشارف الشام وهم آل غسان، وملوك الحيرة بالعراق ، وما عدا هؤلاء من حكام الجزيرة، فهم قبائل وعشائر يحتكمون لرؤساء قبائلهم، ولم يكن لهم من متطلبات الدولة ما للملوك المتوجين.
- الْمُلْك في اليمن
كانت اليمن قبيل الإسلام تموج بالاضطرابات والحروب الأهلية الطاحنة بين القبائل مما جعلها عرضة للأطماع الأجنبية، فدخل الأحباش اليمن بمساعدة الرومان، وطغوا واستبدوا، فاستعان اليمنيون بالفرس لإخراج الأحباش من بلادهم، بقيادة الملك سيف بن ذي يزن الحميري، وبموته انتهى المُلْكُ الحميري، فولَّی کسری عاملاً فارسياً على اليمن، واستمر الفرس في اليمن حتى جاء الإسلام.
- الْمُلْك بالحيرة
كان الْمُلْك في الحيرة خاضعاً للحكم الفارسي، فهم الذين يُعَيِّنُون الملك ويعزلونه متى شاءوا، وكان الملِكُ مظهرياً مهمته الأساسية حماية ثغور دولة الفرس المواجهة للروم، وحامية لهم من القبائل العربية المحاددة لأرض فارس.
- الْمُلْك بالشام
كذلك كان الْمُلْك في الشام خاضعاً للحكم الروماني، وكان ملكهم يُعَيِّنُ من قبل ملِك الروم ، فكانوا صنيعة الروم في مواجهة التوسع الفارسي، وحماية الدولة البيزنطية من العرب المغيرين على ثغور دولة الروم.
- الإمارة بالحجاز
لم يحكم الحجاز ونجد ملوك متوجون، ولم يكن فيهما دولة بالمعنى الصحيح، إلا أن الأمر في مكة كان مختلفاً فبعد وصول نبي الله إسماعيل عليه السلام استقر حضارياً، وأصبحت مكة تجذب العرب من الجزيرة العربية، وتكاثر فيها أولاد إسماعيل، حتى جاء أحد أحفاد عدنان الأقوياء وهو قصي، فأعاد ولاية مكة إلى أولاد عدنان من ذرية إسماعيل بعد أن كانت قد انتقلت إلى يد خزاعة، فنظم أمر مكة، وأسس دار الندوة، وجمع بيده مآثر قریش، مثل اللواء ، وحجابة الكعبة، وسقاية الحاج والرفادة.
وهكذا كانت بلاد العرب قبل مجيء الإسلام في حالة مزرية من التطاحن وإثارة العصبيات القبلية، فكانت تنشب الحروب بين القبائل على أتفه الأسباب ، وتستمر سنين طويلة، إضافة إلى تكالب الدول المجاورة عليها، وكان العرب في حالة تمزق وتيه لا يجمعهم رابط، حتى جاء الإسلام فأعزهم الله به، وأغناهم بعد فقر، وقواهم بعد ضعف.
الحالة الاجتماعية
كيف كان حال العرب قبل البعثة من الناحية الاجتماعية؟ عرفت فيما تقدم أن معظم العرب نسوا خالقهم، وفقدوا التوجيه الديني الصحيح فنتج عن ذلك شيوع مظاهر بلغت الغاية في الانحطاط الخلقي والاجتماعي وممارسة كثير من الرذائل مثل:
- شرب الخمر، ولعب القمار، والزواج بدون حدود و قیود، و كان الرجل يتزوج ما يشاء من النساء من غير تحديد، وانتشار الفاحشة، وقتل الأولاد خشية الفقر أو بسببه، وقتل بعضهم للإناث خوف العار، وقد ذكر القرآن الكريم ذلك في كثير من الآيات التي تبرز تلك العادات السيئة قبل البعثة، قال تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ ۖ…﴾ [الأنعام,آية:١٣٧]، وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَٰنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾[الزخرف,آية:١٧]. وقال الله تعالى في ذكر الخمر والأنصاب والأزلام: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{90} إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ{91}﴾ [المائدة].
- الزواج في الجاهلية: كان أهل الجاهلية يجمعون في الزواج بين الأختين، ويتزوجون بزوجات آبائهم، ويطلقون ويراجعون بدون حدود أو قيود، ولما جاء الإسلام أبطل هذه العادات، فجعل من المحرمات الجمع بين الأختين، قال تعالى: ﴿وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ﴾ [النساء,آية:٢٣]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [النساء,آية:٢٢].
- انتشار فاحشة الزنا في جميع الأوساط العربية، لا نستطيع أن نخصَّ منها وسطاً درون وسط، أو فئة دون فئة، إلا أفراداً من الرجال والنساء ممن كانت تأبی نفوسهم الوقوع في هذه الرذيلة ، ومن كانوا لا يزالون على الملة الحنيفية.
- وضع المرأة : لقد سقطت منزلة المرأة في الجاهلية، فكانت تورث كما يورث المتاع أو الدابة، وقد أشار القرآن إلى ذلك فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ…﴾ [النساء,آية:١٩]، ومن المأكولات ما هو خاص للذكور ومحرم على الإناث، كما قال تعالى: ﴿وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَٰذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا ۖ وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ ۚ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ۚ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام,آية:١٣٩].
- العصبية القبلية: كانت علاقة الرجل مع أخيه وأبناء عمه وعشيرته قوية، وكانوا يحيون العصبية القبلية ويموتون لها، وكان أساس النظام الاجتماعي هو العصبية للقبيلة، وكان التنافس بينهم على أشده من أجل نيل الشرف والسؤدد في القبيلة، وكثيراً ما كان يفضي إلى الحروب الطاحنة.
- العلاقة بين القبائل المختلفة: كانت العلاقة بين القبائل العربية تقوم على الصراع والتنافر، وكانت الحروب بينها تستعر لأتفه الأسباب ، لكن الموالاة والتحالف والتبعية واحترام الأشهر الحرم غالباً ما كانت تفضي إلى اجتماع القبائل المتنافرة وتحد من الحروب بينها.
- وإجمالاً يمكن القول : إن الحالة الاجتماعية كانت في حالة من التردي والسوء فالجهل سائد، والخرافات منتشرة، والحروب تنشب على أتفه الأسباب، والمرأة تهان وتبتذل، وتباع وتشترى، والعلاقة بين أفراد المجتمع مفككة وقائمة على العصبية القبلية والثأر.
الحالة الاقتصادية
كيف كان حال العرب قبل البعثة من الناحية الاقتصادية؟ قوام الحياة الاقتصادية هي الزراعة والتجارة والرعي والحرف اليدوية.
- الزراعة
أما الزراعة فكانت قائمة في أطراف الجزيرة، وخاصة في اليمن، وأطراف الشام، وبعض الواحات المنتشرة في وسط الجزيرة العربية، وكانت اليمن تسمى بالعربية السعيدة، لما تجود به من المحصولات الوفيرة، و كان يغلب على أهل البادية رعي الإبل والغنم والتنقل بحثا عن الكلأ والعشب.
- التجارة
أما التجارة فقد كانت جزيرة العرب وخاصة اليمن طريقاً للتجارة الدولية، وكانت التجارة قديماً في يد اليمنيين، وكانت كل من صنعاء، وعدن، ومكة، والمدينة مراكز تجارية كبيرة، وكان لأهل الحجاز رحلتان رئيسيان، الأولى في الشتاء إلى اليمن، والثانية في الصيف إلى الشام، وقد امتن الله على قريش بتأمين رحلاتها التجارية. غير أن التجارة بشكل عام في معظم الجزيرة العربية كانت غير آمنة.
- الصناعات
أما الصناعات فكانت محدودة، ومقتصرة على الحرف البسيطة الموجودة في اليمن والحيرة ومشارف الشام، وقد ارتبطت الحرف بالاحتياجات المحلية التي كانت تحتاجها حياتهم المعيشية البسيطة، مثل المنسوجات التي كانت تصنع باليمن وكذلك السيوف والدروع اليمانية. ومما تميز به الوضع الاقتصادي في العهد الجاهلي التعامل بالربا الذي اشتهر به اليهود، ونشروه بين العرب، كما شاعت فيهم تجارة الرقيق، وتبني بعض الزعامات لمحلات البغاء ولعب القمار والميسر، ونشر الفاحشة.