شرح حديث عن بر الوالدين
حديث عن بر الوالدين
نص الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (رغم أنفه ثم رَغِم أنفه ، قيل : من یا رسول الله ؟ قال : من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة) [أخرجه مسلم, کتاب البر والصلة والآداب].
التعريف براوي الحديث
أبو هريرة : هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي اليماني. كنيته أبو هريرة. أسلم عام خيبر، وشهدها مع رسول الله ﷺ. كان حريصاً على سماع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان أكثر الصحابة رواية للحديث. روى عنه أكثر من ثمانمائة من الصحابة والتابعين. تولى إمارة البحرين في خلافة عمر رضي الله عنه. توفي في المدينة المنورة سنة تسع وخمسين للهجرة.
معاني ألفاظ الحديث
- رغم أنفه: لصق أنفه بالتراب ، واستحق الذل والخسارة. ورغم أنفه أي: صار أنفه في الرغام، والرغام: هو التراب، والإنسان يشمخ بأنفه، يعبّر بذلك عن الارتفاع والعلو والعزة وما أشبه ذلك، يقال: شمخ بأنفه، فإذا كان أنفه في التراب فإن ذلك يعني: الذل والمهانة والصغار.
- من أدرك والديه عند الكبر: عايش والديه عند كبرهما، وضعفهما بالخدمة ، أو النفقة ، أو غير ذلك سبب لدخول الجنة ، فمن قصر في ذلك فاته دخول الجنة.
- ثم لم يدخل الجنة: لم يوفق لدخول الجنة بسبب التقصير في بر الدين .
شرح الحديث
والداك هما سبب وجودك في الحياة، وهما يقومان بتربیتك ورعايتك، ويسهران من أجلك الليالي، ويتحملان الكثير من المتاعب لتوفير احتياجاتك، والاهتمام بكل شئونك، وفوق ذلك يشملانك بعطفهما، ويحيطانك بحنانهما ورعايتهما؛ ومن الواجب عليك أن تكون باراً بهما، وتقابل إحسانهما بالإحسان. قال تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [سورة الرحمن, آية:٦٠].
وفي هذا الحديث يؤكد رسول الله ﷺ (ثلاث مرات) على فداحة وعظم الخسارة لمن يضيع الفرصة العظيمة لدخول الجنة، فيدرك والديه مع أو أحدهما وقد تقدم بهما السن فيخسر فرصة الأجر العظيم الذي يعطيه الله
لمن يبر والديه ويحسن إليهما ويجتهد في إرضائهما.
والحديث هنا يحذر من عقوق الوالدين ويوصي بـ بر الوالدين برعايتهما وبرهما والعطف عليهما، خصوصا عند الكبر ؛ وهو الوقت الذي يحتاج فيه الوالدان للرعاية والإنفاق، قال تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا{٢٣} وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا{٢٤}﴾ [سورة الإسراء]. ففي هذه الآية الكريمة قرن الله تعالى طاعته بالإحسان إلى الوالدين تأکیداً منه على عظم حقهما وبر الوالدين. والبر والإحسان للوالدين يتضمن كل خير.
ومن بر الوالدين طاعتهما، وتنفيذ رغباتهما، ومخاطبتهما باللين، والإنفاق عليهما، والحفاظ على سمعتهما، وإدخال السرور إلى قلبيهما، وخفض الصوت أمامهما، والإحسان إلى أقاربهما وأصدقائهما، والدعاء لهما في حياتهما وبعد مماتهما، ولأجل ذلك نهى الله تعالى أن يقابل الوالدان بأقل مراتب الإهانة وقلة الأدب وهي (أف) ناهيك عن الضيق أو الضجر أو الإساءة إليهما أو التسبب في سبهم لحديث عبد الله بن عمر: (لعن الله من لعن والديه) [ذكره الهيثمي في المجمع، وذكره الطبراني في الأوسط، وقال الحاكم حديث حسن صحيح]. أو حتى الجلوس في مكان مرتفع عليهما، كل ذلك يتنافى مع البر والإحسان إلى الوالدين.
ولبر الوالدين آثار وثمرات عظيمة في الدنيا والآخرة فمن ثمرات الدنيا: إطالة العمر، وسعة الرزق، وتيسير أمور الدنيا، ودفع البلاء بالإضافة إلى استشعار القدوة، وتماسك الأسرة وإشاعة روح التعاون داخل الأسرة. ومن
ثمرات الآخرة: الفوز بالدرجات العالية في الجنة.
ومن كان باراً بوالديه يبره أبناؤه والعكس بالعكس فالجزاء من جنس العمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فَأَضِعْ ذلك الباب أو احفظه) [أخرجه الترمذي].