التملك الشرعي وطرقه وضوابط التملك
التملك حاجة من حاجات الإنسان الأساسية ، وفطرة فيه ، وهي التي تحكم الكثير من علاقات الأفراد بعضهم ببعض سلباً أو إيجاباً ، بها يتصالحون ، ومن أجلها يختصمون غالبا ، وهي السبب الرئيس لقيام الحروب بين الشعوب ، والدافع الرئيس لتسلط الإنسان على أخيه الإنسان ، وحب التملك دافع قوي للسعي والعمل والمجاهدة ، ولأن شريعة الإسلام من خصائصها الواقعية فقد أقرت التملك ونظمته بحيث لا يطغى فيه حق الفرد على حق الجماعة ، ولا يضيع حق الفرد في مقابل حق الجماعة ، وفي هذا المقال عزيزي القارئ سوف نتعرف على أهم الأحكام المتعلقة بحق التملك.
-
معنى التملك
التملك هو : حيازة إنسان لما يمكن تقويمة بالنقود غالباً . ويدخل في ذلك العقارات والسيارات وعروض التجارة ، وكل ما يمكن تقييمه من الماديات فا لإنسان يجوز له أن يتملك ما يشاء منها . قال الله تعالى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا . . . } [سورة البقرة , آية : ٢٩]. فالأصل في الأشياء النافعة الإباحة < يجدر التنبيه هنا إلى أن هذا الدليل عام في حل كافة الماديات مع وجود أدلة خاصة لكل قضية من قضايا التمليك كل في بابه > ، وهذا النوع من التملك لا ينتزع من صاحبه إلا بطريقة مشروعة لقوله ﷺ : (( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه )) [أخرجه مسلم ، كتاب البر والصلة والأداب ، باب تحريم ظلم المسلم ـ وخذله وأحتقاره ـ ودمه وعرضه وماله ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
-
طرق التملك الشرعي
للتملك الشرعي طرق متعددة ومتنوعة ومتداخلة أهمها:
١) العمل وهو : بذل جهد عضلي أو فكري لامتلاك ما يجوز حيازته شرعاً ، وهو أفضل طرق التملك الشرعي وأكثرها انتشاراً ، ويحتل مكانة عالية في الشريعة الإسلامية ، فقد قال رسول الله ﷺ : ((ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده )) [أخرجه البخاري ، كتاب البيوع ، باب كسب الرجل وعمله بيده ، من حديث المقدام رضي الله عنه]. ومن صور العمل إحياء الموات والتجارة ، والزراعة والصناعة ، ولا تنهض الأمم إلا بالعمل ، وقد حث القرآن الكريم على الاستمرار في العمل حتى وإن ضاق الحال واشتد العسر فلا بد أن يأتي اليسر ، قال تعالى : {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [سورة التوبة , آية : ١٠٥].
٢) مايحصل عليه الإنسان من المملوكات بدون عمل ، كالإرث ، والهبة ، والهدية ، والوصية وما شابه ذلك.
٣) المعاوضات وهو استبدال سلعة بأخرى على سبيل التمليك ، وهي من صور البيع الأصلية ، فمالك العسل يبيع عسله بقمح ، وصاحب الملح يبيع ملحه بزيت أو بنقود وهكذا.
-
ضوابط التملك الشرعي
لابد من استشعار الاستخلاف في المال ؛ لأن الإنسان إن لم يستشعر ذلك قد يقع في الحرام ويقع في الحرص ، فيمنع حق الله في المال ، فالمال مال الله ، وإنما الإنسان مستخلف فيه قال تعالى : {. . . وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ . . .} [سورة النور , آية : ٣٣] . لذلك فالمتملك لابد أن يلتزم بجملة من الضوابط الشرعية أهمها :
١ ) إتباع الطرق المشروعة في التملك ، فلا يكفي أن يستعمل أسباب التملك ، بل لابد من تحري الحلال فيها ، وإلا وقع الحرام ، فإن النبي ﷺ شدد في الحث على التحري ، فقال : (( إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام )) [أخرجه مسلم ، كتاب المساقاة ، باب أخذ الحلال وترك الشبهات ، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه].
٢ ) التصرف الرشيد في المال بحيث لا ينفقه إلا فيما يرضي الله سبحانه وتعالى ؛ لأنه سيتعرض للسؤال عن طرق إنفاقه مثلما سيتعرض للسؤال عن طرق كسبه.
٣ ) أن لا يتعدى في استعمال حقه على حقوق الآخرين لقول النبي ﷺ : (( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده )) [أخرجه البخاري ، كتاب الإيمان ، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما]. وقوله ﷺ : (( والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن . قيل من يا رسول الله قال : الذي لا يأمن جاره بوائقه )) [أخرجه البخاري ، كتاب الأدب ، باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه ، من حديث أبي شريح رضي الله عنه].