مواطن الحضارات العربية القديمة

نعرف جميعا أن الوطن العربي الذي تعيش فيه اليوم قد شهد في تاريخه القديم قيام حضارات عديدة في مواطن مختلفة من أراضية التي تمتد في عصرنا الحاضر من المحيط الهندي جنوبا إلى حدود تركيا شمالاً ومن حدود إيران شرقاً إلى غرباً . وقد تفاعلت هذه الحضارات العربية القديمة مع بعضها و تکاملت فيما بينها وكان لها تأثيراتها المختلفة في الحضارات المجاورة لها في العالم القديم، كما أنها قد تأثرت بتلك الحضارات، وأثرت في الحضارات اللاحقة لها كالحضارة العربية الإسلامية .ولكي تتعرف على مواطن الحضارات العربية القديمة ، تأمل الخريطة شكل (16) وفكر في السؤال الذي يليها.

لماذا قامت الحضارات العربية القديمة في هذه المواطن بالذات؟

مواطن الحضارات العربية القديمة

• الموطن الأول : اليمن القديم 

يعتبر اليمن القديم موطنا رئيسية من مواطن الحضارات العربية القديمة. وقد أطلق الإغريق القدماء على منطقة اليمن اسم ( بلاد العرب السعيدة ) وذلك الأهمية موقعها الجغرافي المشرف على مضيق باب المندب الذي يطل على البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي وجزيرة سوقطري المطلة على المحيط الهندي، وسيطرتها على طرق التجارة البرية والبحرية القديمة بين شرق وغرب و شمال وجنوب العالم القديم، وخصوبة تربتها البركانية، وجمال تضاريسها الطبيعية، وغزارة أمطارها الموسمية، وملاءمة مناخها المتنوع، وبنائها للسدود والمدرجات، وإنتاجها للبخور والمر واللبان والطيوب والعطور والمحاصيل الزراعية العديدة، وتطورها في استخراج وتصنيع المعادن المختلفة، وتميزها بالشورى والتعاون، مماساعد على قيام حضارات زاهرة فيها كان لها علاقاتها المتميزة مع الحضارات العربية القديمة الأخرى وصلاتها مع الحضارات المجاورة لها في شرق و شمال إفريقيا وجنوب و شرق آسيا، الأمر الذي جعلها مركزا رئيسيا من مراكز الإشعاع الحضاري في العالم القديم.

• الموطن الثاني : بلاد الرافدين

بلاد الرافدين أو بلاد ما بين النهرين هو الاسم القديم للعراق . وأطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى نهري دجلة والفرات . وتعتبر بلاد الرافدين من أخصب بقاع العالم بسبب وفرة المياه وصلاحية التربة واتساع مساحة السهول الصالحة للزراعة، وقد ساعدها موقعها الجغرافي في ملتقى جنوب غرب آسيا والمحيط الهندي والخليج العربي والشام والجزيرة العربية، وملاءمة العوامل الطبيعية فيها على جذب الشعوب القديمة التي هاجرت إليها من اليمن للسكن فيها والإسهام في تصوير زراعتها وتعسير مدنها وإقامة دولها. وبعد أن استقرت فيها قامت بدورها الحضاري في التفكير والعمل والإنتاج، مما جعل بلاد الرافدين موطن رئيسية من مواطن الحضارات العربية القديمة، ومصدر من مصادر الإشعاع الحضاري في العالم القديم .

• الموطن الثالث : بلاد الشام 

بلاد الشام هو الاسم القديم للمنطقة التي تتواجد فيها سوريا ولبنان والأردن وفلسطين في عصرنا الحاضر. وتتمتع بلاد الشام بموقع جغرافي هام عند ملتقی قارة اسيا وشبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا، حيث جعل منها موقعها هذا همزة وصل بين الجناح الشرقي والجناح الغربي للبلاد العربية، وحلقة اتصال تجاري بين حضارات الشرق القديم والمغرب القديم، ومنطقة جذب لهجرات عرب جنوب الجزيرة. وتمتاز بلاد الشام باعتدال مناخها (مناخ البحر المتوسط ) وخصوبة تربتها التي كونتها الأنهار مثل نهر العاصي والليطاني ووادي الأردن كما نعرفها حاليا، ووفرة مياهها من أنهار وأمطار وآبار وعيون، وتنوع طبيعتها الجغرافية بين سهول وجبال وصحاري، وإنتاجها للمحاصيل الزراعية المختلفة، مماجعلها موطنا رئيسية من مواطن الحضارات العربية القديمة وجسر الانتقال تأثيراتها في حضارات العالم القديم .

• الموطن الرابع : وادي النيل

بلاد وادي النيل هو الاسم القديم لمصر. وقد أطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى نهر النيل. وتقع مصر في القسم الشمالي الشرقي من قارة إفريقيا، ويمر بها نهر النيل من الجنوب إلى الشمال مشکلا عند مصيبه منطقة دلتا وادي النيل، فساعد ذلك على جذب المهاجرين من جنوب الجزيرة العربية والاستقرار على ضفافه وإقامة حضارة تعد من أقدم حضارات العالم القديم واقترن ذلك بنهر النيل وما يحمله من خير لسكان الوادي الخصب حتى قيل أن ( مصر هبة النيل ) فهو الذي جعلها بحق موطنا رئيسية من مواطن الحضارات العربية القديمة وجسرا لانتقال تأثيراتها نحو حضارات بلاد الشام والبحر الأبيض المتوسط وشمال ووسط إفريقيا .

• الموطن الخامس: المغرب القديم

المغرب هو الاسم القديم لليبيا وتونس والجزئر والمغرب وموريتانيا كما نعرفها حالياً . ويقع المغرب القديم في ملتقى قارتي أوروبا وإفريقيا ويطل على البحر الأبيض المتوسط من جهة الشمال، وعلى المحيط الأطلسي من جهة الغرب . وقد كان لموقعه المهم هذا، ومناخ البحر الأبيض المتوسط الذي يسوده، وتنوع بيئته الطبيعية بين جبال وسهول وهضاب وودیان، وغناه بالمياه والتربة الخصبة، أثر كبير حيث جعل منه كل ذلك منطقة جذب للهجرات العربية القديمة من جنوب الجزيرة، وموطنا رئيسية من مواطن الحضارات العربية القديمة، وجسرا الانتقال تأثيراتها في حضارات البحر المتوسط وأوروبا .