الدينالفقة الاسلامي

الهبة وحكمها واركانها وشروطها

حرص الإسلام على توثيق العلاقات بين أفراد المجتمع المسلم ، ليصبح مجتمعاً قوياً متماسكاً تسوده المحبة والإخاء ؛ فشرع الله تعالى لذلك وسائل كثيرة كالابتسامة ، والكلمة الطيبة ، ورد السلام ، والهبة . لما فيها من تأليف القلوب وتوثيق عرى المحبة بين الناس . وفي هذا المقال عزيزي القارئ سنتعرف على مفهوم الهبة ، وفضل الهبة ، وحكم الهبة ، وأركان الهبة وشروطها.

  • مفهوم الهبة

الهبة : عطاء من شخص لآخر على سبيل التفضل والمعروف حال الحياة تطوعاً . والهبة تشمل الهدية والصدقة والإبراء . فإن كانت الهبة لمحتاج فهي صدقة ، وإن حملت إلى المهدى إليه بدافع المودة والحب فهي هدية ، وإن أسقط الدين ممن هو عليه فهو الإبراء.

  • فضل الهبة

الهبة نوع من أنواع البذل والإنفاق الذي رغب الإسلام في فعله . فقد وعد الله المعطي باليسر ، قال تعالى : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ [٥] وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ [٦] فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ [٧] وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ [٨] وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ [٩] فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ [١٠] وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ [١١]} [سورة الليل]. والتسابق في الإنفاق على أبواب الخير ، ينبغي أن يحرص عليه كل مسلم لما فيه من الأجر العظيم والثواب الجزيل ، والإنسان الذي يوفق في بذل ماله في أبواب الخير محل غبطة الآخرين ، ففي الحديث : (( لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالاً فَسلَّطَه على هَلَكتِه في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويُعَلِّمُها )) [أخرجه البخاري في كتاب العلم ، باب الاغتباط في العلم والحكمة]. والحسد هنا بمعنى (الغبطة) ، ومعنى فَسلَّطَه على هلكته في الحق : أنه أهلك ماله إنفاقاً في الخير . وفي الحديث : (( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم إعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر : اللهم إعط ممسكاً تلفاً )) [أخرجه البخاري في كتاب الزكاة ، باب قوله تعالى : ( فأ ما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى )]. والمسلم المتيسر حريص على دعوةالملك الأول ، وخائف من الدعوة الثانية . وللتبادل والتهادي بين الناس أثر عظيم في تقوية روابط المحبة والإخاء وتنقية القلوب مما قد يصيبها من الحسد والحقد ، جاء في الحديث : ((تهادوا ؛ فإن الهدية تذهب وحر الصدر . . )) [أخرجه الترمذي في كتاب الولاء والهبة ، باب في حث النبي على التهادي ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]. أي تبادلوا الهدايا لأنها تذهب الحقد والحسد وتوثق الحب بينكم.

  • حكم الهبة

حكم الهبة في الشريعة الإسلامية مندوبة ؛ لكونها من المعروف ، والله تعالى يقول : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا } [سورة النساء , آية : ٤]. وحديث عائشة رضي الله عنها قالت : (( كان رسول الله ﷺ يقبل الهدية ويثيب عليها )) [أخرجه البخاري في كتاب الهبة وفضلها ، باب المكافأة في الهبة]. ولا يجوز الرجوع في الهبة ، ولو كانت بين الإخوة أو الزوجين ، إلا إذا كانت هبة الوالد لولده لحديث : (( لا يحل لرجل أن يعطي عطية ، أو يهب هبة ، فيرجع فيها ، كمثل الكلب يأكل فإذا شبع قاء ، ثم عاد في قيئه )) [أخرجة أبو دواد في كتاب البيوع ، باب الرجوع في الهبة]. 

  • اركان الهبة وشروطها 

الركن الأول الواهب : وهو المالك المعطي ، ويشترط فيه الآتي :

١) أن يكون له حق التصرف في الموهوب.

٢) أن يكون مكلفاً ، فلا تجوز هبة الصبي ولا المجنون.

٣) أن يكون مختاراً ، لأن الهبة نوع من العقود التي لابد أن يتحقق فيها الرضا ، فلا تصح الهبة مع الإكراه.

الركن الثاني الموهوب له : وهو الشخص الذي تعطى له الهبة ، ويشترط فيه أن يكون موجودا حقيقة وقت الهبة ، فلا تصح الهبة لجنين لا يزال في بطن أمه.

الركن الثالث الموهوب : وهو كل ما يجوز للواهب تملكه من الأموال ، ويشترط فيه الآتي :

١) أن يكون موجودا وقت الهبة ، فلا تنعقد هبة ما ليس بموجود وقت الهبة ، مثل أن يهب ما سيثمر البستان في العام القادم ؛ لأنه تمليك لمعدوم.

٢) أن يكون مما يجوز تملكه والانتفاع به ، فلا يجوز هبة ما كان محرماً كالخمر والخنزير والمال المسروق أو المغضوب.

٣) أن يكون مملوكا للواهب ، فلا تنفذ هبة مال الغير بغير إذنه ، لاستحالة تمليك ما ليس بمملوك .

٤) أن يكون شيئاً معيناً معروفاً ، فلا تصح هبة شيء غير محدد كأن يقول : وهبتك أرضاً أو وهبتك مبلغاً من المال ولم يحدده .

الركن الرابع الصيغة : وهي صيغة الإيجاب والقبول ، إما بالقول كلفظ أهديتك ، ووهبتك ، ونحوها ، أو بالفعل كالمعاطاة التي تدل عليها .

  • الهبة المشروطة بالعمر 

وتسمى العُمْرَى : وهي هبة مشروطة بزمن معين وهو عمر الواهب أو الموهوب له. كأن يقول : وهبتك هذا الدار عمري ، أو عمرك أو حياتك ، فإذا مات المشروط بحياته تعود الهبة للواهب أو ورثته . فالهبة صحيحة ، والشرط باطل فتبقى للموهوب ولورثته من بعده لصحة التمليك ، لقوله ﷺ : (( امسكو عليكم أموالكم ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حياً وميتاً ولعقبه )) [أخرجة مسلم ، كتاب الهبات ، باب العمري ، من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه].

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى