ارتبط عوامل قيام الحضارات العربية القديمة بالظروف الجغرافية والطبيعية وما يتعلق بها من موارد وأنهار وبحار ومضايق ، وبالظروف البشرية وما يتعلق بها من تفاعل مع البيئة وتنظيم الشؤون الحياة وارتفاع مستوى المعيشة، وبالظروف الخاصة للحضارات العربية القديمة نفسها ومايتعلق بها من أساليب استفادتها من تراث بعضها وتأثرها ببعضها وقت السلم والحرب سواء عن طريق التغيير والمماثلة أو النقل والمحاكاة، أو الاقتباس والتعلم ، مما ساهم في تزايد فرص التفاعل والتكامل والإلتقاء فيما بينها كحضارات عربية قديمة تميزت عن باقي حضارات العالم القديم.
عوامل نشوء الحضارات العربية القديمة
أولا : العوامل الطبيعية
- الموقع الجغرافي : بفضل الموقع الجغرافي المتوسط والهام للوطن العربي بين قارات العالم القديم تمكن العرب من الاتصال بالحضارات الأخرى والتأثر بها والتأثير فيها، وذلك من خلال موقعهم المسيطر على طرق التجارة البرية وقوافلها وطرق التجارة البحرية وسفنها. وقد أدى ذلك إلى نشاط تجاري واسع للعرب بين شرق وغرب وشمال وجنوب العالم القديم، وكان ذلك مصدر رخاء للمناطق والشعوب العربية القديمة وازدهار حضاراتها.
- المناخ: للامداد الجغرافي الواسع لمواطن الحضارات العربية القديمة دور في اعتدال وملاءمة وتنوع المناخ، وهي أمور تشجع على الاستقرار والتحضر. فقد أثر ذلك المناخ المتنوع والمعتدل والملائم في ازدهار الزراعة كشرط لازدهار الصناعة الذي مهد الطريق بدوره أمام ازدهار التجارة ومن ثم قیام مدن ودول وحضارات العرب القدماء.
- المياه : تعتبر المياه ومدى توافرها عاملا رئيسيا في نشوء الحضارات العربية القديمة . فقد ساعد وجود الأنهار و منابع المياه الأخرى على حياة الاستقرار من خلال تركز مناطق الزراعة والعمران حول موارد المياه. وقد اعتمدت الحضارات العربية القديمة عند نشأتها على الموارد المائية التالية :
- مياه الأمطار والسيول التي تجري في الوديان صيفا وشتاء .
- بناء السدود والصهاريج والبرك والحواجز من أجل الاستفادة من مياه الأمطار طول العام .
- استغلال مياه الأنهار والغيول والعيون والآبار وخاصة الأنهار العربية الكبرى مثل نهر النيل ونهر الفرات ونهر دجلة .
- تطوير نظم وطرائق وأساليب رشيدة للري.
- التربة : بسبب توفر المياه تزداد خصوبة التربة، خاصة وأن الأراضي الزراعية قد تكونت بجانب الوديان وعلى ضفاف الأنهار وبالقرب من مصباتها أو بجانب السدود والحواجز الاصطناعية والدرجات ، ونتيجة لذلك ازدهرت الزراعة وتكاثرت المحاصيل الزراعية وازداد تبادل الخبرات والسلع الزراعية الفائضة والأدوات الزراعية بين الحضارات العربية القديمة.
- الموارد المعدنية : تعتبر وفرة الموارد الطبيعية من صخور ومعادن ونباتات و حیوانات، عامل من عوامل نشوء الحضارات، حيث ساعد توافرها الشعوب العربية القديمة على التفكير في حسن استغلالها والمتاجرة بها. وقد عرفت البلدان العربية قديمة وحديثه بوفرة معادنها واستخدامها في أغراض الصناعات الزراعية والتجارة المختلفة. ومن المعادن التي اشتهرت بلاد اليمن وبلاد الرافدين وبلاد الشام ومصر القديمة باستخراجها وتصنيعها والمتاجرة بها: الذهب والفضة والحديد والنحاس . كما ازدهرت صناعة الأواني والأسلحة والسيوف والخناجر والسفن والأدوات اللازمة للزراعة كالفأس والمحراث وأدوات الزينة والملابس الصوفية .
ثانيا : العوامل البشرية
يعتبر توافر العنصر البشري والقدرات التي يتمتع بها والمهارات التي يتقنها، والمعارف التي يكتسبها، عاملا رئيسيا من عوامل قيام الحضارات . ومن أهم العوامل البشرية في قيام الحضارات العربية القديمة ما يلي :
- القدرات : وتتمثل في قدرات استغلال الموقع الجغرافي ، وقدرات تحدي صعاب البيئة المحيطة ، وقدرات التغلب على الظروف الطبيعية القاسية وتسخيرها وتطويعها لصالحه ولتلبية حاجاته ، وقدرات المجازفة في عبور البحار وارتياد البراري.
- المهارات : وتتمثل في مهارات إقامة المدرجات وبناء السدود و تشیید القصور وتجفيف المستنقعات لزراعة المحاصيل وتليين صخور الجبال وتحويلها إلى تربة للمدرجات أو ألواح لكتابة النقوش أو صناعة التماثيل .
- المعارف : وتتمثل في معارف تحديد المعادن واستخراجها وتصنيعها والمتاجرة بها، ومعارف صناعة السفن والإبحار بها، ومعارف جغرافية البحار وطرق ومسالك السفن فيها، ومعارف جغرافية البرواري ومسارات واتجاهات القوافل في الأقطار والبلدان، ومعارف مواقع ومسالك النجوم في السماء والاهتداء بها في تحديد الطرق والرحلات، ومعارف تحديد مواسم الزراعة وإدراك أهمية تعدد المناخ وخصائص التربة في تحديد أنواع المزروعات على مدار العام كله. وقد تطورت بمرور الزمن قدرات ومهارات ومعارف العرب القدماء إسهامها في نشوء الحضارات العربية القديمة – إلى اختراع للكتابات وتطوير للغات وإبداع للأرقام وتصنيع للآلات وإنتاج للعلوم والفنون والآداب في تلك الحضارات .
