أهمية الوحدة الإسلامية ومقوماتها وثمار وحدة المسلمين

أهمية الوحدة الإسلامية
تمثل الوحدة الإسلامية إحدى المقومات الأساسية الهامة لتقدم الشعوب المسلمة ونهضة الأمم ، ودول العالم القوية اليوم تسعى لتحقيق مصالح شعوبها من خلال توحدها في منظمات وتكتلات وتجمعات اقتصادية وسياسية وعسكرية كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وغيرها ، والأمة الإسلامية أكثر حاجة منهم للوحدة فهي تواجه تحديات كثيرة وشرسة تهدد قيمها ومصالحها وبقاءها.
فبسبب تفرق المسلمين استطاع أعداؤهم غرس الكيان الصهيوني كالسرطان في جسد الأمة الإسلامية ، فاغتصب فلسطين أرض الرباط وأولى القبلتين ، واصبح خطره يهدد العالم الإسلامي كله ، وما زال أعداء الأمة الإسلامية يحيكون مؤامراتهم ويشحذون أسلحتهم للهيمنة على دول العالم الإسلامي واحتلالها دولة بعد الأخرى ، وصدق القائل :
- تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا
- وإذا افترقن تكسرت آحادا.
إن تلك التحديات تستجوب تضافر الجهود لتوحيد شعوب الأمة الإسلامية في دولة إسلامية واحدة تعمل بأحكام الإسلام وتطبيق نظامه وتبلغ دعوته الحكيمة للناس جميعاً وتحمي المسلمين في كل بقاع الأرض من عدوان المتربصين والمتآمرين ، وتجمع كلمة الأمة وتنسق جهودها وتستثمر مواردها بما يحقق خيرها ويؤدي إلى ازدهارها وقوتها لمواجهة الواقع المعاصر ، عصر التحالفات والتكتلات الذي يستهين بالكيانات الصغيرة ولا يحترمها ، فـ الوحدة الإسلامية اليوم ضرورة لتعيد لهم شوكتهم التي تردع الأعداء وتحمي الأوطان وتواجه الأزمات … و الوحدة الإسلامية رمز القوة والطريق إلى النصر والتمكين ، والتفرق رمز الضعف والطريق إلى الهزيمة والخذلان .
مقومات الوحدة الإسلامية
حذر الإسلام المسلمين جميعاً من الفرقة والتنازع ، قال تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ…﴾ [الأنفال, آية:٤٦]. وشرع للأمة نظاماً محكماً ووضع أُسساً راسخة ومقومات ثابتة تقوم عليها الوحدة الإسلامية ، نجملها فيما يلي :
- وحدة العقيدة
إن المسلمين تجمعهم عقيدة واحدة ، عقيدة : ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) فربهم واحد ورسولهم واحد وكتابهم واحد ، وعلى أساس هذه العقيدة الواحدة يجتمع المسلمون وتتوحد غايتهم ومصالحهم الكبرى، ويتوحدون في الولاء والبراء وفي المودة والعداء.
- وحدة الشعائر التعبدية
فالمسلمون جميعاً شعائرهم التعبدية واحدة، وفي هذه الشعائر معانٍ كثيرة تؤكد وحدة الأمة الإسلامية ، ففي الصلاة يتجه المسلمون كل يوم خمس مرات إلى قبلة واحدة فيشعر المسلم أنه مرتبط ببقية المسلمين في كل بقاع الأرض، وصوم شهر رمضان فيه إشعار للمسلمين جميعاً بعمق الوحدة من خلال مشاركة كل المسلمين لنوع واحد من الحياة ونوع واحد من السلوك في فترة زمنية واحدة، مما يؤكد الأخوة الإسلامية بين المسلمين جميعاً، وفي الحج يلتقي المسلمون في صعيد واحد، لبلسهم واحد وأعمالهم واحدة، فينصهر المسلمون في بوتقة الأمة الإسلامية الواحدة، وغير ذلك من الشعائر التعبدية التي تعمق في وجدان المسلم أنه عضو في جسد واحد يأخذ منه ويعطيه، ويحيا به، ويصح بصحته، ويسلم بسلمه.
- وحدة التصور
فتصور المسلمين عن الإله والكون والإنسان والحياة واحد، وأفكارهم ومفاهيمهم التي تحدد وجهة نظرهم إلى الأشياء والأحداث والأشخاص والقيم والعلاقات واحدة، فهم يحكمون على هذه الأمور كلها من مصدر واحد هو الإسلام، فأفكار الإسلام وتصوراته ومفاهيمه هي التي توجه عقول المسلمين جميعاً وبالتالي تتوحد تصوراتهم ومفاهيمهم.
- وحدة المرجعية العليا
فالأمة الإسلامية لها مرجعية واحدة تتجلى في الاحتكام إلى القرآن الكريم والسنة المطهرة في ضوء اجتهاد معاصر قويم يلبي احتياجات العصر، ويحقق المصلحة لأبناء الأمة بما لا يعارض الأصول الثابتة من الكتاب والسنة.
فالإسلام هو محور حياة الأمة وروح وجودها ، وسر بقائها وصانع حضارتها ومكون وحدتها، وصدق الفاروق رضي الله عنه حين قال: ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما نطلب العزة من غيره أذلنا الله ) وذلك من أهم الأسس والمقومات لتحقيق الوحدة الإسلامية ، فبه تذوب الخلافات ، وتتحقق مصالح كل الفئات.
- وحدة القيادة
لم يكتف الإسلام من المسلمين أن يكونوا أمة واحدة في العقيدة والشعائر والأفكار والمشاعر والأخلاق ، ثم يكونوا متفرقين في سياستهم، مختلفين في نظراتهم متنابذين في مصالحهم ، بل شدد على أن يكون للمسلمين جميعاً خليفة واحد أو رئاسة عامة واحدة، أو قيادة واحدة تقيم شريعة الله تعالى، وتقود الأمة المسلمة الواحدة بها، وقد أجمعت الأمة على اختلاف مذاهبها على وجوب تنصيب حاكم عام للأمة كلها ، فلا بد للمسلمين أن يعملوا جادين لإحياء نظام الخلافة في صورة عصرية مناسبة، فوجوده رمز وحدتهم ، ووحدتهم رمز قوتهم وتأثيرهم بين الأمم.
- وحدة المشاعر
فالأمة الإسلامية تسودها عاطفة الإخاء الوثيق، والحب العميق بين أبنائها ، مهما تباعدت بهم الديار، واختلفت منهم الأجناس والألوان ، هذا الإخاء يوحد المسلمين برباط لا ينفصم ، كما قال رسول الله ﷺ : (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) [أخرجه مسلم : كتاب البر والصلة, باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم, عن أبي موسى رضي الله عنه].
والمسلمون يجسدون وحدة مشاعرهم تلك في صور شتى من التعاون والتكافل والتضامن ، قال رسول الله ﷺ : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) [أخرجه مسلم : كتاب البر والصلة, باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم, عن النعمان بن بشير رضي الله عنه].
- وحدة القيم والأخلاق
إن كل مسلم له في رسول الله أسوة حسنة ، وبذلك تتوحد الأمة الإسلامية كلها في قيمها وأخلاقها ، فهي أمة تحمل كل خصال الخير ومكارم الأخلاق التي تعرفها الفطرة السليمة والعقول الراشدة ويسعد بسيادتها الأفراد والمجتمعات ، بحيث لا توجد أمة من الأمم لها هذه الوحدة في القيم والعادات والسلوك والأخلاق كما لأمة الإسلام.
ثمار وحدة المسلمين
تملك الأمة الإسلامية من الطاقات والمقومات والإمكانات المادية والمعنوية ما يجعلها إذا اتحدت في طليعة الأمم ، ويمنحها المكانة التي تستحقها ، فوحدة المسلمين يترتب عليها آثار عظيمة وثمار كثيرة ، ومن تلك الثمار ما يلي :
- تستعيد الأمة الإسلامية دورها القيادي بين الأمم
الأمة الإسلامية يبلغ تعدادها اليوم مليار ومائتين مليون مسلم تقريباً في أنحاء العالم ، وهذه الطاقة البشرية أصبحت غثاء لا قيمة له بسبب تفرقها في دويلات وإمارات ضعيفة لا وزن لها بين الأمم ، فإذا توحدت الأمة الإسلامية في دولة واحدة فإنها ستستفيد من هذه القوة البشرية بحسن إعدادها وربطها بأهداف كبرى تعيش لها وتجاهد في سبيلها ، وستسخر قدرات أبنائها في البناء والتقدم العلمي والصناعي والتكنولوجي ، وتكون أمة بانية قائدة رائدة مهابة الجانب.
- التفوق الاقتصادي والمادي
والأمة الإسلامية تمتلك مساحات شاسعة من الأرض الصالحة للزراعة ، وتمتلك من المعادن والثروات ما لا يملكه غيرها ، ورغم أننا لم نستفيد من تلك الثروات واستفاد منها غيرنا أكثر منا ، بسبب تفرق الأمة ، فإذا توحدت استطاعت أن تقيم تكاملاً اقتصادياً ، بحيث يتمم بعضها بعضاً بالصناعة والزراعة والتبادل التجاري وتبادل الخبرات ، وتستطيع أن تدخل عصر التكنولوجيا المتطورة والصناعات الكبيرة بما يحقق للأمة الإسلامية المنافسة والريادة الاقتصادية بين الأمم.
- الحضارة المتميزة
الأمة الإسلامية هي التي أورثها الله رسالة الإسلام الخاتمة ، وهذه الرسالة تتميز بالشمول والتوازن ، وملاءمتها للفطرة السليمة والعقل الرشيد ، ومراعتها للمصلحة ، والتيسير على الناس ، وتتميز بسماحتها مع مخالفيها في الدين ، والبشرية اليوم بحاجة ماسة إلى هذه الرسالة السمحة بعد أن أشقتها المادية المسرفة والإباحية المتلفة ، والعصبية المجحفة ، فإذا توحدت الأمة وتمثلت شريعتها الإسلامية وجسدتها في حياتها في أخلاق وعلوم وإنتاج ، استطاعت أن تقيم دولة العدل والإحسان وأن تنشر شعاع الإسلام في آفاق الأرض ، لتصنع للعالم بذلك حضارة متميزة تجمع بين الروح والمادة وبين الدنيا والآخرة وتحقق للبشرية الخير والسعادة والعدل والمساواة.