الدينالفقة الاسلامي

مفهوم الحرابة وحكمها والحكمة من تغليظ عقوبة الحرابة

تحقيق الأمن في المجتمع المسلم ، مقصد من المقاصد العظيمة التي حرص الإسلام على تحقيقها ، فجعل للمساكن وللأعراض وللأموال وللأنفس حرمتها ، بل جعل للمشاعر والأحاسيس حرمتها ، وجعل لطرق التواصل بين المسلمين حرمة ، فسعى إلى تأمين الطرق ، ولذلك شرع حدا يرتبط ارتباطا أساسيا بالمواصلات وهو حد الحرابة ، وهذا ما سنتعرف عليه في هذا المقال.

مفهوم الحرابة

هو خروج فرد أو جماعة مسلحة في بلاد الإسلام لإحداث الفوضى ، أو سفك الدماء ، أو سلب الأموال ، أو هتك الأعراض ، وإهلاك الحرث والنسل ، وبث الرعب بين الناس ، على سبيل المجاهرة والمكابرة اعتماداً على القوة ، متحدية بذلك الدين والأخلاق والنظام والقانون ؛ لذلك سماهم الله محاربين لله ورسوله والمؤمنين. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [سورة المائدة, آية: ٣٣]. ويدخل في مفهوم الحرابة العصابات المختلفة التي تهدف إلى إخافة الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ، كعصابات القتل ، وعصابات الاختطاف للأطفال والنساء والطائرات والسفن ونحوها ، وعصابات اللصوص للسطو على البيوت والمؤسسات المالية والتجارية وغيرها.

حكم الحرابة

تعد الحرابة كبيرة من كبائر الذنوب ؛ ولذلك وصف الله مرتكبيها بأنهم محاربون لله ورسوله ، وساعون في الأرض بالفساد ، وغلظ عقوبتهم تغليظا لم يجعلها لجريمة أخرى. وتتنوع عقوبة الحرابة حسب تنوع الفعل الذي حصلت به، وبيان ذلك في الآتي :

١) إذا قبض على المحارب وقد أخاف الناس دون أن يأخذ المال أو يقتل ، فهذا يستوجب النفي من الأرض ، ويكون بإخراجه من البلد الذي أفسد فيه إلى غيره من بلاد الإسلام أو الحبس ؛ ففي نفيه إضعاف له ؛ لأنه سوف يبتعد عن البيئة والأشخاص الذين يستقوى بهم لإرهاب الناس.

٢) وإذا قبض على المحارب وقد أخذ المال فقط ، فهذا يستوجب قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، وفي هذا الإجراء استئصال لسبب الفساد وأهم الأعضاء المستخدمة لذلك ، وردع وزجر لغيرهم.

٣) وإذا كانت الحرابة بالقتل دون أخذ المال ، فهذا يستوجب القتل.

٤) إذا قبض على المحارب وقد قتل وأخذ المال ، فهذا يستوجب القتل والصلب قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [سورة المائدة, آية: ٣٣].

٥) إذا تاب المحارب قبل القبض عليه فإن حد الحرابة يسقط عنه لقوله تعالى : ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [سورة المائدة, آية: ٣٤]. ولا تسقط حقوق الناس من الأموال والدماء بالتوبة.

شروط اقامة حد الحرابة

لكي يقام حد الحرابة لا بد من توافر شروط معينة في المحاربين حتى يستحقوا العقوبة المقررة لهذه الجريمة ، وهذه الشروط هي :

١) التكليف ؛ وذلك بأن يكونوا بالغين عاقلين.

٢) وجود السلاح ؛ لأن قوتهم تعتمد عليه في الحرابة.

٣) المجاهرة في أخذ المال بقوة السلاح ؛ فإن أخذوه خفية فهم سارقون ، وإن اختطفوه وهربوا فهم منتهبون.

الحكمة من تغليظ عقوبة الحرابة

يَتَقَوَّى المحاربون بسلاحهم بعيدا عن سيطرة الدولة وسلطتها، ويسهمون في تعكير السلم العام للمجتمع ، الأمر الذي يفوت مصالح الناس ، ويقضي على طمأنينتهم ، ويؤثر تأثيرا مباشرا على معاش الناس وأرزاقهم ، فيختل الأمن ، وتضطرب الحياة في كل مجالاتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ولما يترتب على هذه الجريمة البشعة من أضرار دينية ونفسية واجتماعية واقتصادية على الفرد والمجتمع على حد سواء ؛ ولهذا شدد الإسلام في عقوبة هؤلاء المفسدين وَعَدَّهُم من المحاربين لله ورسوله .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى