الدينالقران الكريم

فوائد معرفة أسباب النزول بالتدريج

فوائد معرفة أسباب النزول بالتدريج

نزول القرآن الكريم

ما هي فوائد معرفة أسباب النزول ؟ القرآن الكريم نور الله المبين لحقائق الكون ، والصلة ما بين العباد وخالقهم ، نزل به الروح الأمين جبريل عليه السلام ، على قلب رسول الله ﷺ بالحق لیکون للعالمين نذيراً ، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا﴾ [سورة النساء, آية: ١٧٤]. وقد كان تنزيل القرآن على سيدنا محمد ﷺ بواسطة أمين الله جبريل عليه السلام من أول آية فيه إلى آخر آية، ولا دخل لجبريل عليه السلام ولا لرسول الله ﷺ في إنشاء ألفاظه ولا في ترتيبها، بل هو كلام الله تعالى أنزله وأحكمه كما أخبرنا الله تعالى بقوله: ﴿الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [سورة هود, آية:١]. فالألفاظ القرآنية المقروءة والمكتوبة من عند الله سبحانه، وليس لجبريل فيها سوى نقلها لرسول الله صلی الله عليه وسلم، وليس للرسول ﷺ فيها سوى وعيها وحفظها وتبليغها ثم بيانها والعمل بها، قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ{١٩٢} نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ{١٩٣} عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ{١٩٤}﴾ [سورة الشعراء]. فالمنزِّل هو الله، والناقل هو جبريل عليه السلام، والمتلقي هو محمد رسول وب العالمين.

 

إقرأ أيضاً: آداب تلاوة القرآن الكريم وفضله.

فوائد نزول القرآن بالتدريج

جاء في بعض الروايات أن الله تعالى أنزل القرآن الكريم إلى السماء الدنيا دفعة واحدة ليلة القدر، وفي ذلك بقول الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [سورة القدر, آية:١]. ثم نزل بعد ذلك على سيدنا محمد ﷺ على فترات متقطعة، حسب الوقائع والأحدات على مدى ثلاث وعشرين سنة، وهي المدة التي قضاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أمته منذ بعثته إلى وفاته، وغلب على ما نزل من القرآن في مكة بيان العقيدة الإسلامية وشرح أسس الإيمان، كما غلب على ما نزل منه في المدينة بيان أحكام الشريعة، وتنظيم الحياة العامة للأسرة والمجتمع، وتنظيم شؤون الدولة وعلاقة المسلمین بغيرهم. وكان لنزوله بهذه الطريقة حكم جليلة منها:

  1. تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالقوة المعنوية، حيث كانت تمر به محن قاسية وتحديات كبيرة، قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾ [سورة الفرقان, آية:٣٢].
  2. مسايرة الحوادث ومعالجة شؤون الحياة المتعددة التي تعيشها المجتمعات على مر العصور، وذلك ما أشار الله إليه بقوله: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا﴾ [سورة الإسراء, آية:١٠٦].
  3. التدرج في التشريع، فقد كان القرآن الكريم ينزل بأصول الإيمان، وبناء الأمة المسلمة ، ثم تدرج في علاج الأمراض الاجتماعية، ثم نزل بالحدود وتفصيل الأحكام الشرعية.

 

تعريف سبب النزول

نزل القرآن الكريم من لدن العزيز الحميد لهداية البشر، وإصلاح شأنهم، وتنویر أفكارهم، وهذا هو السبب العام و المقصد الأعلى للقرآن، و من القرآن ما نزل ابتداءً دون سبب، وفيه ما نزل في ظل وضع مخصوص وأحداث معينة، ارتبط بها، وهذا ما يعرف بسبب النزول. وتعريف سبب النزول هو ما نزل القرآن بشأنه أيام وقوعه، أي الحادثة، أو السؤال الذي نزلت الآية، أو السورة عقبه بيانًا وتوضيحاً. سواء كان هذا البيان أثناء وقوع الحادثة، أو بعده، أو قبله، وكذا ما نزل جوابًا على سؤال.

ومن أمثلة ذلك :

  • أنَّ المنافقين في المدينة اتفقوا على بناء مسجد ليكون مكاناً يتجمعون فيه بقصد الفتنة ، فكان سبباً في نزول قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [سورة التوبة, آية:١٠٧]. وبعد التعرف على أسباب النزول، دعونا نتعرف فوائد معرفة أسباب النزول .
  • قال الإمام البخاري – رحمه الله تعالى – في صحيحه: “حدثنا عبيدالله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن زيد بن أرقم قال: كنت مع عمي، فسمعت عبدالله بن أُبَي ابن سلول يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، ولئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعز منها الأذلَّ، فذكرتُ ذلك لعمي، فذكر عمي للنبي صلى الله عليه وسلم فدعاني فحدثته، فأرسل إلى عبدالله بن أُبَي وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، وكذبني النبي -صلى الله عليه وسلم- وصدَّقهم، فأصابني غمٌّ لم يصبني مثله قط، فجلست في بيتي، وقال عمي: ما أردْتَ إلا أن كذبك النبي -صلى الله عليه وسلم- ومقتك! فكان ذلك سبباً في نزول قوله تعالى: ﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ﴾ [سورة المنافقون, آية:١]، وأرسل إليَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقرأها وقال: ((إن الله قد صدقك))؛ صحيح البخاري: 4904. فالرسول -صلى الله عليه وسلم- كذَّب في بداية الأمر زيد بن أرقم – رضي الله عنه – حتى نزل القرآن، فتبين له صدقُهُ، وكذب كبير المنافقين عبدالله بن أُبي – عليه لعنة الله – مما يدل على أن هذا القرآن ليس من تأليفه -صلى الله عليه وسلم- ولا من تأليف غيره من البشر، بل هو من عند عالم الغيب الذي لا تخفى عليه خافية.
  • هلال بن أمية – رضي الله عنه – ففي صحيح البخاري من حديث ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي -صلى الله عليه وسلم- بشَرِيك بن سَحْمَاء، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((البيِّنة أو حَدٌّ في ظهرك))، فقال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً، ينطلق يلتمس البينة؟! فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((البينة وإلا حَدٌّ في ظهرك))، فقال هلال: والذي بعثك بالحق، إني لصادق، فليُنزِلَنَّ الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل وأنزل عليه: قول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [سورة النور,آية: 6، 7] فقرأ حتى بلغ: ﴿ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [النور: 9].

 

فوائد معرفة أسباب النزول

لمعرفة أسباب النزول فوائد عديدة منها :

  1. من فوائد معرفة أسباب النزول ، مساعدة قارئ القرآن ومفسره على فهم معانيه فهماً صحيحاً، لأنه إذا لم يكن على معرفة تامة وبينة من تلك الأسباب فربما فهمه على غير ما قُصِد منه، فیكون قد أخطأ من حيث أراد الصواب. فقد نقل الإمام الزركشي في برهانه عن أبي الفتح القشيري قوله: “بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز”؛ البرهان: 1/ 40. ويقول الإمام أبو الحسن الواحدي كما نقل عنه الإمام السيوطي في الإتقان: “لا يمكن تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها”.
  2. كما أن معرفة أسباب النزول يساعد على تيسير حفظ القرآن وتثبیت معناه، لأنّ ربط الأحكام بالحوادث والأشخاص والأزمنة والأمكنة يساعد على استقرار المعلومة وتركيزها.
  3. ومن فوائد معرفة أسباب النزول ، بيان الحكمة الداعية إلى تشريع حكم من الأحكام وإدراك مراعاة الشرع للمصالح العامة رحمة بالأمة. أو بعبارة أخرى: معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم، فعلم أسباب النزول يعين على معرفة الحكمة أو الحكم مما شرعه الله تعالى في كتابه، وفي ذلك نفْعٌ للمؤمن وغير المؤمن.
  4. أيضاً من فوائد معرفة أسباب النزول ، بيان عناية الله تعالى بنبيِّه الكريم ﷺ في الدفاع عنه، ومن أمثلة ذلك آيات الإفك التي نزلت دفاعًا عن فراشه ﷺ وتطهيرًا له عما دنسه به المنافقون والأفاكون، وتبرئة لأحب وأعز أزواجه إليه؛ أم المؤمنين عائشة بنت الصديق – رضي الله عنها.

ومما يجدر التنبيه عليه فيما يتعلق بأسباب النزول ما يأتي

  • ليس ضرورياً أن يلتمس الإنسان لكل آية سبباً أو يتكلف ذلك، فإن القرآن الكريم لم يكن نزوله وقفاً على الحوادث والمناسبات بل كان القرآن الكريم ينزل ابتداءً بعقائد الإيمان وتعاليم الشريعة المطهرة من غير أسباب.
  • لا يصح أن يكون التعلق بأسباب النزول عائقاً عن التدير في الآيات، لأن الله تعالی حث على تدارس القرآن والتدبر في معانيه، والتفكر في مقاصده وأهدافه على أوسع نطاق. قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [سورة محمد, آية:٢٤].
  • العبرة ـ في نصوص القرآن الكريم – بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، بمعنى أن النص الشرعي إذا ورد بسبب واقعة معينة حصلت في عصر التنزیل، فإن الحكم لا يكون مقتصراً على تلك الواقعة فحسب، وإنما يكون حكم عاماً في كل ما شابهها من وقائع ونوازل في كل زمان ومكان، وليست أحكام خاصة بأفراد معينين، ومن أمثلة ذلك ما روي أن رجلاً قذف امرأته بالزنا ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (البينة أو حدٌّ في ظهرك) [رواه البخاري. رقم (٢٥٢٦), عن ابن عباس رضي الله عنه]. فقال : يا رسول الله، إذا رأى أحدنا مع امرأته رجلاً، ينطلق يلتمس البينة!! فأنزل الله تعالی: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [سورة النور, آية:٦]. فهذه الآية سبب نزولها خاص، وهو هذه الحادثة، إلا أن حكم اللعان الذي جاءت به حكم عام، خُوطب به جميع المسلمين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى