الحديث النبويالدين

شرح حديث سبعة يظلهم الله في ظله

شرح حديث سبعة يظلهم الله في ظله
شرح حديث سبعة يظلهم الله في ظله

حديث سبعة يظلهم الله في ظله

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال : ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب ٍ وجمالٍ  فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عينا )) . [أخرجة البخاري في كتاب الزكاة ، باب الصدقة باليمين ]. 

شرح حديث سبعة يظلهم الله في ظله

في يوم القيامة تجتمع الخلائق للعرض على الله تعالى ، ويكون الهول فيه عظيماً ، ويبلغ الكرب في النفوس مبلغاً لا يعلمه إلا الله ، وفي هذا الهول والشدة يختص الله تعالى مجموعة من الناس برحمته ويظلهم بظله ، لأنهم رغم ما توفر لهم في الدنيا من وسائل المغريات الدافعة إلى ارتكاب المعاصي فقد امتلأ قلوبهم بخشية الله تعالى ومراقبته فالتزموا بطاعته وحرصوا على رضوانه، فتميزوا عن غيرهم يوم القيامة بهذه المنزلة الرفيعة وهذا الفضل العظيم . وفي هذا الحديث بين لنا الرسول الكريم ﷺ السبعة الأصناف من الناس الذين يظلهم الله في ظله والذين نالوا هذا الفوز العظيم وسنورد شرح كل صنف في الفقرة التالية.

السبعة الذين يظلهم الله في ظله

  •  الإمام العادل : حث الإسلام على العدل في الحكم ، قال تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [ النساء : 58 ] والحاكم العام يتوفر له من قوة السلطان ما قد يدفعه إلى الظلم والطغيان والتسلط ، فزمام رعيته بيده ومصالحهم تحت تصرفه ، وفي صلاحه صلاح الأمة وفي فساده فسادهم ، لكن الحاكم المراقب لربه يستعمل قوته وسلطانه لنشر العدل بين رعيته فيعطي كل ذي حق حقه ، وينهض بواجباته كاملة ، وفي مقدمتها الحكم بين الناس بمنهج الله وشرعه ، وبذلك كان أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الإمام العادل منها قوله ﷺ : (( إن المقسطين عند الله على منابر من نور ؛ الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا )) ، ومنها أنه أحد الثلاثة الذين لا ترد دعوتهم .ومن أهم صفات المؤمن أن يكون عادلاً في كل ما يصدر عنه من قول أو فعل أو شهادة ، مع الناس جميعاً ، فلا تدفعه عاطفة الحب إلى المحاباة بالباطل ، ولا تمنعه عاطفة الكره من الإنصاف وإعطاء الحق لمن يستحق قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة : 8 ] .
  • الشاب الملتزم بطاعة الله : مرحلة الشباب مرحلة العطاء والبناء ، والشاب لديه طاقات هائلة فإن لم يسخرها في الخير توجهت به نحو الشر والفساد والشهوات ، فيخسر دنياه وآخرته ، ولذلك فالشاب الذي يلتزم بهدي الإسلام وينأى بنفسه عن الطيش والشهوات والنزوات ، ويستثمر هذه الفترة الغالية من عمره في بناء قدراته الروحية والفكرية والجسدية ، ويسخر ذلك كله فيما يعود بالخير والصلاح على نفسه ومجتمعه وأمته ، يبشره رسول الله ﷺ بأنه سيكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله تعالى. ولكي يستفيد الشاب من شبابه ويستثمره في طاعة الله ، فإنه ينبغي عليه أن يقوم بما يأتي :
  • تحديد أهدافه في الحياة بوضوح ، وجعل هدفه الأسمى أن ينال رضوان الله تعالى .
  • الحرص على تنمية إيمانه وتقواه بدوام ذكر الله والتزام طاعته .
  • تنظيم أعماله واستثمار أوقاته فيما يفيد ، واجتناب كل ما يهدر الوقت ويضيعه .
  • الحرص على الرفقة الصالحة التي تعينه على الاستفادة من وقته . 
  • من تعلق قلبه بالمساجد : إحياء المساجد وعمارتها بالطاعات والعبادات من أفضل الأعمال في الإسلام ، ودليل على صدق الإيمان ، قال تعالى : ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [ التوبة : 18 ] . ففي المسجد يتصل الإنسان بربه ويعبر عن منتهى خضوعه وانقياده وطاعته لله عز وجل بكثرة السجود ، لتتحول جميع مظاهر حياته إلى عبادة الله . قال تعالى : ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (٣٦) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾( النور : 36 الى 37 ) . وقد بشر الرسول ﷺ من تعلق قلبه وجوارحه بذكر الله ، فاعتاد الذهاب إلى المساجد ، وكان حريصا على إحياء رسالة المسجد التربوية والتعليمية والاجتماعية وحافظ على إقامة الصلاة جماعة في المسجد ، وأحب الاجتماع والألفة على طاعة الله وتوحيد صفوف المسلمين ، فعاش حياته دائم الصلة بالله ، دائم الاستحضار لأوامره ونواهيه ، دائم المراقبة لله في كل حال ، بشره بهذا الفضل العظيم وهو الفوز بظل الله يوم القيامة . 
  • المتحابان في الله : رغب الإسلام في إقامة الصداقة على أساس الحب في الله ، فالصحبة إذا كانت مبنية على التآلف والمحبة الصادقة من أجل رضاء الله وفي سبيله ، فإنها تصبح قوة للإسلام وعونا للمتحابين على طاعة الله وإظهارا لدينه ، لذلك فإن من أجتمع قلباهما على الحب في الله . واستمرا على تلك المحبة حتى فرق بينهما الموت ، ولم يتحابا على أساس تحقيق غرض من أغراض الدنيا ، فإن منزلتهما عند الله عظيمة وكريمة ، قال رسول الله ﷺ :(( أن الله تعالى يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي )) [ أخرجة مسلم : كتاب البر والصلة ، باب في فضل الحب في الله ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ]. وفي مقابل ذلك حذر الإسلام من الصداقة التي تقوم على غير الإيمان والتقوى ، لأن ضررها أكبر من نفعها وستنقلب يوما ما إلى عداوة ، قال تعالى : ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [ الزخرف : 67 ] .
  •  المقاوم لإغراء الفاحشة : بين الرسول ﷺ في هذا الحديث صنفا من الناس ، يدعى إلى ممارسة الفاحشة مع امرأة لها منصب ومكانه اجتماعية مما يوفر الأمان من الفضيحة ، بالإضافة إلى الجمال المغري لاندفاع الشهوة ، ولكنه يقاوم كل ذلك الإغراء فيمتنع عن الوقوع في الجريمة ، لا ضعفا ولا خوفا من أحد من الناس ، وإنما يمتنع خوفا من الله وحده ، ولسان حاله يقول : ( معاذ الله ) كما قالها يوسف عليه السلام حين دعته امرأة العزيز ، قال تعال : ﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [ يوسف : 23 ] .إنه الطهر والعفاف في أروع صورة ، فأستحق صاحبه رحمة الله وفضله ، فجعله ممن يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله .
  • المتصدق سرا : حث الإسلام المسلم على البذل ، وحبب إليه النفقة في السراء والضراء سرا وعلانية ، وسواء كانت الصدقة ظاهرة أو خفية فإن فضلها كبير وأجرها عظيم ، يضاعف الله بها الحسنات ويكفر بها السيئات ، قال تعالى : ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة : 271 ] وقد بشر الرسول ﷺ الذي يدفع صدقته سرا بفضل أكبر فكان أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة ، لأن في صدقة السر صون لكرامة الفقير ، وهي أبعد عن الرياء ، فالمتصدق سرا لا يريد بصدقته ثناء الناس عليه ، أو أن يعرفوا عنه أنه رجل البر والإحسان ، وإنما قصده ودافعه رضوان الله عز وجل وحده .
  •  الباكي من خشية الله سرا : من صفات المؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله ، قال تعالى : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [ الأنفال : 2 ]فإذا ذكر الله استشعر عظمة ربه الذي بيده ملكوت كل شيء ، وأقر بتقصيره وتفريطه وغفلته وذنوبه ، فيخشع قلبه ويقشعر بدنه وتدمع عيناه خوفا من عقاب ربه ورغبة في حسن ثوابه ، قال رسول الله ﷺ : (( لا يلج النار رجل بكى من خشية الله )) ، [ الترمذي : كتاب فضائل الجهاد ، باب ما جاء في فضل الغبار في سبيل الله ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ] . وقد بين رسول الله ﷺ فضل الذي يذكر الله فتدمع عيناه ، وهو بمفرده ليس عنده أحد من الناس ؛ لأن ذلك دليل على إخلاصه ، فهو لم يبك أمام الناس ليظهر أمامهم بمظهر الخائف من الله ، وإنما عند مناجاته لربه في جوف الليل أو مكان لا يراه إلا الله وحده ، ومن كان هذا شأنه فإنه سيكون أكثر حذرا وأبعد عن الوقوع في معصية الله تعالى في جميع شئونه ، لذلك كان أحد الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى