منهج الإسلام في محاربة جريمة الانتحار

كيف حارب الإسلام جريمة الانتحار؟
إن الله تعالى إذا حرم شيئاً حرم الطرق والوسائل المؤدية إليه ، وإذا أمر بفعل شيء أرشد إلى الطرق والأساليب المساعدة على تحقيقه ، وقد خلق الله الإنسان وهو أعلم بضعفه ، قال تعالى : ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [سورة الملك, آية:١٤]. ولذلك، فإن منهج الإسلام في محاربة جريمة الانتحار أرشد إلى الطرق التي يواجه بها هذا الضعف ، وألزمه بأمور من شأنها أن تدفع عنه مخاطر وسوسة الشيطان الذي يدفعه إلى الانتحار ، ومن الأمور التي عالج بها الإسلام هذه القضية ما يأتي :
إقرأ أيضاً : منهج الإسلام في محاربة الفساد.
- تعميق الإيمان بالله تعالى
لو نظرنا إلى الأمور التي يقدم المنتحرون على الانتحار بسببها لوجدنا أنها ترجع إلى ضعف الإيمان عند المنتحر ، وتحلله من الأخلاق التي أمر بها الإسلام ، بالإضافة إلى قصور شديد في التزامه أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه. وحياة الإنسان في ديننا الإسلامي الحنيف أمانة ليس للشخص أي حق في إنهائها ، بل الواجب عليه أن يحافظ عليها، ولو أن إنساناً استودع آخر أمانة وأذن له بالانتفاع بها عند الحاجة ، فهل يجوز له أن يفرط بهذه الأمانة أو يتلفها دون إذن صاحبها ؟ وهذا ينطبق على المنتحر فقد استودعه سبحانه وتعالى النفس أمانة لديه ، فاستحل التصرف فيها بغير حق ، فتجرأ على الله تعالى بتمرده على أوامره ، وخان الأمانة التي هي من مقتضيات الإيمان ومستلزماته ، فعن أنس ٍ رضي الله عنه قال ما خطبنا النبي ﷺ إلا قال : ( لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له ) [أحمد : كتاب باقي مسند المكثرين, باب باقي مسند أنس رضي الله عنه].
- غرس وتعميق الإيمان باليوم الآخر
إن من أعظم القضايا التي تناولها القرآن الكريم الإيمان باليوم الآخر ، ذلك أن وضوح هذا التصور بالنسبة للمؤمن يشكل حاجزاً منيعاً وعاصماً من الوقوع في جريمة الانتحار ، فهو موقن بأن الله تعالى توعد من قتل نفسه بالخلود في جهنم ، وهذا الوعيد كفيل بردع كل من يخطر في باله إزهاق روحه لأي سبب من الأسباب ليقينه أن جهنم أشد عذاباً وأخزى. لذلك، هو يدرك أن الذي يريد أن يتخلص من عذاب في الدنيا محدود سوف ينتقل إلى عذاب لا حدود له ، ومن عذاب موقوت إلى عذاب دائم لا يمكن أن يقاس بالعذاب الذي ينتقل إليه.
- تعميق الإيمان بقضاء الله وقدره
حين خلق الله تعالى الكون أوجد له سنناً يسير عليها ، وربط بين الأسباب ونتائجها ، وصار لزاما على الإنسان أن يبحث عن هذه الأسباب لكي يصل إلى النتائج التي يأمل في الوصول إليها ، لكن الله تعالى قد يقدر ــ لحكمة يريدها ــ فتتأخر هذه النتائج. وللمؤمن موقف متميز في تفسير ما يقع في الكون ، وهذا التميز نابع من إيمانه بقدرة الله تعالى في تصريف أمور الكون ، فهو يؤمن بأن عليه أن يعمل جاهداً على الأخذ بالأسباب لتحقيق أهدافه. لكنه، يتوقف بعد ذلك فيكل أمر نتائجها لله سبحانه ، لأنه يعلم أنه كغيره من المخلوقات المبثوثه في هذا الكون ليس له من الأمر شئ ، وهو يتقبل قدر الله بسلوك ينم عن نفس راضية ، لأنه لا يعلم أين وجه الخير بالنسبة له أهو في تحقيق الله لما سعى إليه ؟ أم في منع الله تحقيق ما كان يصبو إليه مما يزهق كثير من المنتحرين أرواحهم بسببه.
- وضوح الغاية والهدف
من أهم الأمور والوسائل التي اعتمدها الإسلام في بناء الشخصية المسلمة القوية ، أن أبان له الحكمة من خلقه وهو الابتلاء ، وأن ما ابتلى به إنما جاء لحكمة إلهية يقتضيها عدل الله سبحانه في استحقاقه الثواب والنجاة من العذاب. لذلك، فقد ربط الله الثواب والعقاب بمدى نجاح كل إنسان أو فشله فيما ابتلاه الله به ، قال تعالى : ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾[سورة الملك, آية: ٢]. ووضوح هذه الغاية كفيل بأن يمحو من النفس التفكير بالانتحار ، فضلا عن الإقدام على فعله.
- الاستعانة بالله تعالى والتقرب إليه بالطاعات
المؤمن قريب من الله تعالى شاكر لأنعمه التي أسداها إليه ، وإذا أصابته مصيبة لجأ إليه ضارعا متوسلا بأن يعينه على تجاوزها ، وتعد الصلاة والدعاء والذكر من الأمور المهمة لتجاوز المحن وذلك لما لها من أثر كبير في تقوية النفس على الصبر ، قال تعالى : ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [سورة البقرة, آية: ٤٥]. وفي ابتلاء الله للمؤمن خير ، حيث يدفعه إلى الاستكانة لربه والتضرع إليه ، والتوكل عليه والاستغاثه به ، فيدينه الله منه ، ويزيد من حسناته ، ويرفع درجاته في الآخرة ، أجر ما صبر وتحمل من بلاء ، قال رسول الله ﷺ : ( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) [مسلم : كتاب الزهد والرقائق, باب المؤمن امره كله خير]. وبالتالي، فإن المسلم على يقين بأن كل بلاء يلاقيه في الدنيا بإمكانه أن يعالجه بالصبر ، وأنه سوف ينتقل ألى نعيم الآخرة الذي ينسى فيه كل شدة وضنك ومحنة ومعاناة مر بها في هذه الحياة الدنيا ، لأن ما يمر به في الدنيا موقوت ؛ فالحياة نفسها موقوتة لا تدوم ، وكما لا يدوم نعيمها ، لا تدوم شدتها .
- مرافقة الصالحين
من الأمور التي انتهجها الإسلام في إصلاح الفرد تهيئة البيئة الصالحة التي تساعده على السير في طريق الخير ، ومن أهم مكونات هذه البيئة الأصدقاء.
إن المتمعن في شخصية المنتحر يجده بعيداً عن الله ، ضعيف الإيمان به ، ومقصراً في طاعته ، وإننا بابتعادنا عن الأوساط التي يعشش فيها العصاة نكون قد خطونا الخطوة الأولى في تجنب كثير مما يقعون فيه ومنها الانتحار ، وعلينا أن نخطو خطوة أخرى فنحرص على مرافقة الصالحين الذين يحضوننا على الخير ويباعدون بيننا وبين الشر ، قال رسول الله ﷺ : ( الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ) [الترمذي : كتاب الزهد, باب حديث الرجل على دين خليله, عن أبي هريرة رضي الله عنه]. وقديماً قالوا : ( خير الأصحاب من إذا ذكرت الله أعانك على ذكره ، وإذا نسيت ذكرك ) .