الفقة الاسلامي

مفهوم مقاصد الشريعة واهميتها وطرق معرفتها

يقوي إيمان المسلم ، وينمو اعتزازه بشريعته حين يعلم الحكمة من التشريعات ، فيدرك أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان ، وحين يعرف المسلم الغاية من الحكم الشرعي يكون أكثر تقبلا له وعملا به . ومقاصد الشريعة ترتبط بشكل كبير بمجال تقنين الأحكام وإصدار القوانين ، بحيث يحتاج المقننون إلى مراعاة روح الشريعةالإسلامية عند التقنين ، وذلك لمواكبة المستجدات ، وبدون التركيز على المقاصد لن يستطيع المسلمون تلافي القصور الحاصل لديهم ، وفي هذا المقال نتطرق إلى بعض المفاهيم المتعلقةبالمقاصد ، حيث نوضح مفهوم مقاصد الشريعة ، ونذكر أهمية معرفة المقاصد ، ونبيّن طرق معرفة مقاصد الشريعة ، وكذلك أهم مقاصد الشريعة .

مفهوم مقاصد الشريعة

مقاصد الشريعة : هي الغايات والأهداف والحِكَمُ التي راعاها الشارع عند تشريع الأحكام . فالزكاة على سبيل المثال شرعت لغاية سد حاجة الفقراء وتعويد الأغنياء على البذل والسخاء قال تعالى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [سورة التوبة , آية : ١٠٣]. 

اهمية معرفة مقاصد الشريعة

ومعرفة المقاصد تساعد على :

  • دقة التشريع ، فإذا ما أراد المسلمون تقنين أحكام الشريعة فإن الاعتماد على معرفة مقاصد الأحكام يخرج قانونا دقيقا يلبي الاحتياج ولا يتعارض مع الثوابت الإسلامية.
  • البعد عن تصور العبث ، واليقين بأن الله سبحانه وتعالى ما شرع شيئاً إلا لحكمة ، علمناها أم لم نعلمها قال تعالى : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ } [سورة المؤمنون , آية : ١١٥].
  • إدراك واقعية الشريعة الإسلامية ، وإدراك مرونتها.
  • التجديد واستيعاب المتغيرات.

طرق معرفة مقاصد الشريعة 

وتُعرَفُ مقاصد الشريعة الإسلامية بعدد من الطرق أهمها :

طريقة النص : قد ينص الشارع الحكيم على مقصد الحكم الشرعي ، فنعرف أنه أراد من تشريع ذلك تحقيق غاية معينة ، مثال ذلك قوله تعالى : { مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [سورة الحشر , آية : ٧]. فهذا التوزيع للفيء على تلك الصورة المذكورة في الآية الغاية منه توزيع الثروة حتى لا يتكدس المال في أيدي الأغنياء.

طريقةالاستقراء : وهو تتبع الجزئيات في الأحكام الشرعية المتنوعة بحيث نصل من خلال مجموع تلك الأحكام الجزئية إلى المقصد العام الذي تهدف إلى تحقيقه ويتضح ذلك في الأمثلة الآتية :

١ ـ شرع الله أحكام المواريث ، فكل واحد ممن له الحق في الميراث يصله حقه.

٢ ـ شرع الله تحريم السرقة : فملك الإنسان مصان لا يجوز التعدي عليه وأخذه.

٣ ـ شرع الله تحريم الرشوة : فالرشوةتسهم في أخذ المال بدون وجه حق.

٤ ـ شرع الله تحريم الغصب : لأنه تعد على حرمة حق الغير.

٥ ـ شرع الله وجوب المحافظة على الأمانة : لأن خيانة الأمانة ضياع لملك الغير.

٦ ـ شرع الله تحريم أكل مال اليتيم : لأنه اعتداء على مال قاصر. وعند تتبع تلك الأحكام الشرعية ، وغيرها نجدها بمجموعها تركز على غاية هي : (الحفاظ على الملكية وصيانتها).

طريقة القياس : فإذا نص الشارع على مقصد حكم ، وجاء بحكم في نص آخر ، لم ينص على مقصده فإننا نجري في هذه الحالة القياس ، فعلى سبيل المثال قوله تعالى : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [سورة التوبة , آية : ٦٠]. لم يبين الغاية من توزيع الزكاة على الأصناف الثمانية المذكورة ، وبالرجوع إلى النص السابق الذي ذكر في الطريقة الأولى (آية توزيع الفيء) يمكن القول إن الغاية في هذا النص مقاربة لغاية النص السابق المذكورة وهي تفتيت الثروة وتوزيعها على أكثر أصناف المجتمع ، وبالتالي لا يبقى المال في أيدي الأغنياء وحدهم.

اهم مقاصد الأحكام الشرعية

تتمثل أهم مقاصد الأحكام الشرعية في الحفاظ على خمس من القضايا الرئيسة وتسمى الكليات الخمس أو الكليات الكبرى وهي :

١) الدين : فقد شرع الإسلام لإقامته الدعوة إلى الله ، والجهاد في سبيل الله لنشره ، والعبادات المختلفة لإقامته ، وشرع لحمايته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وحد الردة قال تعالى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ } [سورة البقرة , آية : ١٩٣].

٢) النفس : فالله سبحانه كرم الإنسان ، فقال تعالى : {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } [سورة الإسراء , آية : ٧٠]. فالنفس الإنسانية محل صيانة ، ومحل تقدير وقد شرع الإسلام لحماية الإنسان والحفاظ على حياته ، القصاص والدية على من اعتدى على النفس البشرية كل ذلك تقديرا لمكانة النفس ، قال تعالى : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [سورة البقرة , آية : ١٧٩]. كما أباح له أكل وشرب المحرمات في حالة الاضطرار بقدر الحاجة للحفاظ على حياته ، قال تعالى : { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [سورة البقرة , آية : ١٧٣].

٣) العقل : وقد شرع الإسلام لحمايته أحكاماً شرعية ، منها تحريم الإكراه على الفعل فمن أكره على فعل عقد من العقود فإن عقده ذلك باطل لحديث : (( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) [أخرجه الحاكم ، كتاب الطلاق ، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما]. وحفاظاً على العقل حرم تناول المسكرات كالخمر وكل ما من شأنه إذهاب العقل كالمخدرات ، وإن كان يسيراً يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ((ما أسكر كثيره فقليله حرام )) [أخرجه الترمذي ، كتاب الأشربة ، باب ما جاء في ما أسكر كثيره فقليله حرام ، من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما].

٤) العرض : وقد شرع لحمايته عدداً من الأحكام الشرعية مثل : تحريم الزنا ومقدماته قال تعالى : { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا } [سورة الإسراء , آية : ٣٢]. وتحريم القذف ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [سورة النور , آية : ٤].

٥) المال : وقدشرع الإسلام للحصول عليه العمل والتجارةوالبيع ، والمواريث ، وشرع لحمايته حد السرقة وتحريم الغش ، وتحريم الرشوة ، وتحريم السرقة وغيرها من الأحكام الشرعية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى