الدينمنوعات دينية

مفهوم الحكم بما أنزل الله وأهميته وآثاره

مفهوم الحكم بما أنزل الله وأهميته وآثاره

مفهوم الحكم بما أنزل الله

الحكم بما أنزل الله هو : تطبيق المنهاج الذي وضعه الله تعالى لتنظيم شئون الحياة كلها ، في ضوء القواعد الأساسية التي قررها القرآن الكريم والسنة المطهرة ، والرجوع إليهما في كل مناحي الحياة.

 

فالحكم بما أنزل الله في المفهوم الإسلامي ليس محصوراً في الحدود والعقوبات ، إذ أن مدلول “الشريعة” في الإسلام لا ينحصر في التشريعات القانونية ، ولا حتى في أصول الحكم ونظامه وأوضاعه ، وإن كان ذلك من أهم ما عنيت به الشريعة الإسلامية. وتطبيق شريعة الله ومنهجه في الحياة مطلوب من الحاكم والمحكوم ومن الفرد والمجتمع ، فقد أوجب الله تعالى على الحكام أن يحكموا بما أنزل ، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [سورة النساء, آية: ٥٨]. كما أوجب سبحانه على أفراد المجتمع المسلم أن يتحاكموا إلى ما أنزل الله قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [سورة النساء, آية: ٥٩]. فلا يتم إيمان المؤمن إلا بالحكم بما أنزل الله والاحتكام إليه ، والرضا به دينا وشرعة ومنهاجا ، قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [سورة النساء, آية: ٦٥].

 

إقرأ أيضاً : مكانة القضاء واهميته في الإسلام.

 

أهمية الحكم بما أنزل الله

تتمثل أهمية الحكم بما أنزل الله والاحتكام إليه في أن حاجة البشر إلى تشريع خال من قصور البشر وأهوائهم حاجة أساسية ، ولا توجد شريعة تتصف بذلك إلا الإسلام ، فهو الذي يحمل هداية الله الأخيرة للبشر ، وهو المصدر الوحيد الباقي بلا زيادة ولا نقصان ولا تحريف ، وبالتالي فهو وحده القادر على تجنيب البشرية الضلال في الفكر ، والغي في السلوك ، والشقاء في الحياة ، قال تعالى: ﴿… فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ {١٢٣} وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ {١٢٤}﴾ [سورة طه].

 

اهتمام الإسلام بقضية الحكم بما أنزل الله

الحكم بما أنزل الله يمثل حقيقة العبودية لله تعالى ، التي خلق الله الخلق من أجلها كما قال تباركت أسماؤه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [سورة الذاريات, آية: ٥٦] ، فتطبيق منهج الله وشرعه تحقيق لمعنى ومقصد الوجود الإنساني ، وبدونه يصبح هذا الوجود خاوياً عديم المعنى ، ويتجلى اهتمام الإسلام بقضية الحاكمية في كثير من القضايا التي أكد عليها القرآن الكريم والسنة المطهرة ومنها :

  1. بين الله تعالى أن الناس بين حكمين لا ثالث لهما: إما حكم الله ، وإما حكم الجاهلية ، فمن لم يرض بالأول وقع في الثاني لامحالة ، قال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [سورة المائدة, آية: ٥٠]. وأكد سبحانه أنه لا يجتمع إيمان بالله مع التحاكم إلى غير ما أنزل الله ، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [سورة النساء, آية: ٦٠].
  2. وصف الله تعالى عباده المؤمنين بالتسليم المطلق لحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [سورة النور, آية: ٥١]. وأن شأنهم دائما قبول حكم الله دون تردد ، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾ [سورة الأحزاب, آية: ٣٦]. 
  3. حكم الله تعالى بالكفر والظلم والفسوق على من لم يحكم بما أنزل ، قال تعالى: ﴿… وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [سورة المائدة, آية: ٤٤]. وقال تعالى: ﴿… وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[المائدة, ٤٥]. وقال تعالى: ﴿… وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة, ٤٧].
  4. أكد الله سبحانه بأن الحكم بما أنزل الله ، والتحاكم إليه يجب في جميع شئون الحياة ، فالإسلام كُلٌّ لا يتجزأ ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ [سورة البقرة, آية: ٢٠٨]. وقال تعالى: ﴿… أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة, ٨٥].

آثار الالتزام بالحكم بما أنزل الله

إذا التزمت الأمة حكاما ومحكومين ، أفرادا وجماعات بالحكم بما أنزل الله والتحاكم إليه في كل مناحي الحياة ، فإن ذلك سينعكس بآثار عظيمة في حياة الفرد والمجتمع والأمة ، نذكر بعضا منها ما يلي :

  1. تحرير الإنسان من الخضوع والعبودية ، إلا لخالقه وبارئه ، فلا تحنو الوجوه ولا تطأطئ الرؤوس ولا تنخفض الجباه ولاتخشع القلوب إلا لقيوم الأرض والسماوات وحده ، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ﴾ [سورة آل عمران, آية: ٦٤].
  2. تحرير الأمة الإسلامية من بقايا الاستعمار وآثاره في المجال التشريعي ، ورجوعها إلى منابعها الأصلية ، التي فيها هداية ربنا وأصالة تراثنا المتجاوب مع أنفسنا وتطلعاتنا والمحقق لأهدافنا وحاجاتنا.
  3. تحقق الأمة المسلمة رسالتها في الحياة بأن تكون الأمة الوسط الشاهدة على الناس جميعاً ، لإقامة حجة الله على الناس في الأرض ، قال تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ﴾ [سورة البقرة, آية: ١٤٣]. وبذلك تتبوأ مكانتها اللائقة بها بين الأمم كما أرادها الله لها ، قال تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ﴾[سورة آل عمران, آية: ١١٠].
  4. تحقيق الحياة الكريمة المستقرة وصلاح أمر الأمة وسعادة أبنائها في معاشهم ومعادهم ، وبعدها عن الضلال والشقاء في الدنيا ، والعذاب في الأخرى ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ﴾ [سورة الأنفال, آية: ٢٤].
  5. إقامة العدل ، جاء الإسلام ليحقق العدل وينشر الأمن ويحقق المساواة بين الناس في الحقوق والواجبات فينتهي بذلك ما يوجد من تعسف وظلم ، ويشعر الجميع بالطمأنينة والحرية ، فتجتمع كلمة المسلمين وتتضافر جهودهم في طريق الخير والبناء والتقدم.
  6. وقاية البشرية من نزول عذاب الله عز وجل وحلول نقمه عليهم في الدنيا قبل الآخرة ، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( يا معشر المهاجرين خصالٌ خمسٌ إذا ابتليتم بهنَّ ــ وذكر منها ــ وما لم تحكم أئمَّتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم ) [أخرجه البهيقي ، وصححه الألباني : صحيح الترغيب والترهيب]. وفي روايه : ( وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ) [أخرجه الطبراني ، وحسنه الألباني : صحيح الترغيب والترهيب]. وصدق الله ورسوله ، فإن الناظر إلى واقع المسلمين اليوم ، يرى ما وقع عليهم من المصائب ، وأنواع الفرقة والعداوة بينهم ، والتقاتل والتناحر والاختلاف والنزاع ، الذي أدّى إلى إضعاف شوكة المسلمين ، وقوى أطماع الأعداء في مقدرات الأمة ومبادئها ، كما ظهر الفقر والتدهور الاقتصادي ، مع أن في بلاد المسلمين ــ كما هو معلوم ــ أعظم الثورات ، بمختلف أنواعها ، وأعظم سبب في ذلك هو تنحية شرع الله عن الحياة واللجوء إلى غيره من التشريعات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى